للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - كون خبر الآحاد مما تعم بِهِ البلوى:

يجدر بنا قَبْلَ الدخول في هَذِهِ المسألة أنْ نتعرف عَلَى المقصود من قَوْل الفقهاء: «ما تعم بِهِ البلوى».

المقصود به: هو ما كثر وقوعه، وكثر السؤال عنه، ويحتاج الناس إلى العلم به، وإذا كثر السؤال عنه كثر الجواب أيضاً. وبهذا يكثر نقله ويشتهر وينتشر، لهذا لا تقبل رواية الآحاد فيه، وهذا ما أخذ به الحنفية (١)

ولا يوجه الاتهام بالتقصير في رواية السنة، فالخبر مما تعم به البلوى، إذا لم يشتهر وينتشر مع شدة الحاجة إليه، كان ذلك آية عدم صحته (٢)، قال السمرقندي: «إذا ورد في حادثة تعم بها البلوى، فإنَّه لا يقبل؛ لأنَّ الحادثة إذا كانت مما يشتهر لشدة الحاجة، لو كان الحديث صحيحاً لاشتهر اشتهار الحادثة، فلما روي بطريق الآحاد علم أنَّه غير ثابت ظاهراً» (٣).

وموقف العلماء من العمل بخبر الواحد يظهر في أقوالهم وأفعالهم، فقد قَبِلَ بعضهم العمل به فيما تعم به البلوى، بل أوجبه بعضهم.

وذكر السرخسي - بعد نصه أنَّ الانقطاع في الأخبار نوعان: انقطاع صورة، وانقطاع معنى - أنَّ الانقطاع معنى قسمان: إما أنْ يكون ذلك المعنى بدليل معارض، أو نقصان في حال الراوي، ثم ذكر أنَّ الانقطاع بدليل معارض على أربعة أوجه، ثم قال: «وأما القسم الثالث وهو الغريب فيما يعم به البلوى، ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته للعمل به، فإنه زيف؛ لأنَّ صاحب الشرع كان مأموراً بأنْ يبين للناس ما يحتاجون إليه، وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم، فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أنَّ صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم، وأنهم لم


(١) انظر: " أصول السرخسي " ١/ ٣٦٨، و " أصول البزدوي " ١/ ١٧٣، و " الفصول في الأصول " ٣/ ١٤، و " فواتح الرحموت " ٢/ ١٢٨.
(٢) انظر: " أصول الشاشي ": ٢٨٤.
(٣) " ميزان الأصول ": ٤٣٤ تح د. محمد زكي عبد البر و ٢/ ٦٤٣ تح د. عبد الملك السعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>