للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره» (١)، وقال المناوي: « .. فإنَّ الكذب عليه أعظم أنواع الكذب؛ لأدائه إلى هدم قواعد الدين، وإفساد الشريعة، وإبطال الأحكام» (٢).

مما تقدم يتبين ضرر قبول رواية الكاذبين، لذلك كان الأئمة يحذرون من سطر أحاديث هؤلاء في طيات كتبهم. ومن المفيد أن نقول: إن الكذاب هو من ثبت كذبه، وفرقه عن الموصوف بالكذب أنَّ الثاني رماه أحد الأئمة بالكذب، ولم يثبت هذا لغيره من الأئمة، والله أعلم. وقد عد الحافظ ابن حجر خمسة أمور تقدح الراوي في عدالته وهي: الكذب أو تهمته به أو فسقه أو جهالته أو بدعته (٣).

[طرق كشف الكذابين من الرواة]

١ - أنْ يصرح الراوي بأنَّه كذب في حديث ما. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن هذه النقطة استشكلها ابن دقيق العيد فقال: «وهذا كاف في رده، لكن ليس بقاطع في كونه موضوعاً؛ لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه» (٤) فتعقبه تلميذه الذهبي فقال: «وهذا فيه بعض ما فيه، ونحن لو فتحنا باب التجويز والاحتمال البعيد، لوقعنا في الوسوسة والسفسطة» (٥).

٢ - أنْ يدّعي ما يستحيل حصوله، كأنْ يصرح الراوي بسماعه ممن تقدموه وفاة بسنين، أو يأتي بما يعارض ما علم من الدين بالضرورة.

٣ - أن ينص الأئمة النقاد على كذب ذلك الراوي.

الوضاعون والكذبة: لم تشر كتب الاصطلاح إلى فرق بيّن بين الكذاب والوضاع، ولكن قد يكون الأخير أخص من الأول، وذلك أنَّ الوضع في كتب الحديث إنَّما يصرف إلى الراوي الذي يختلق إسناداً، ويركب له متناً ما خلق الله منهما شيئاً، فيروي ذلك الحديث مسنداً ويتكرر هذا الفعل منه، فحينئذٍ يوصف الراوي بالوضع.


(١) " فتح الباري " ٣/ ٢٠٧ عقب (١٢٩٢).
(٢) " فيض القدير " ٢/ ٦٠٤.
(٣) انظر: " نزهة النظر ": ٦٧ - ٦٨.
(٤) " الاقتراح ": ٢٢٩.
(٥) " الموقظة ": ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>