للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الكذب فإنَّه أعم من الوضع باعتبار أنَّ إطلاقه يراد به الكذب على الناس والكذب على رسول الله ، وعلى كل حال فالذي يخصنا هو الحالة الثانية - أي الكذب على النبيِّ وهذه الحالة نجدها متلازمة مع من وصم بالوضع في كتب الحديث سيما الكتب التي جمعت الموضوعات، وفي ذلك يقول ابن الجوزي - في أصناف الوضاعين -: «قوم تعمدوا الكذب الصريح، لا لأنَّهم أخطأوا، ولا لأنَّهم رووا عن كذاب، وهؤلاء يكذبون في الأسانيد فيروون عمن لم يسمعوا منه .. » (١)، وقال الزركشي: « .. فإنَّ الوضع إثبات الكذب .. » (٢) وبذا تظهر حالة تلازم الكذب والوضع، فإذا وجدت حديثاً قد نص الأئمة على وضعه ففي الغالب تجد أحد الكذابين متفرداً به.

فإذا تقرر هذا - أعني تلازم الوضع والكذب - هل يمكن إطلاق الحكم (كذاب) بأنَّه وضاع؟

فنقول: هذا السؤال فيه أمران: الأول: الحكم على عين الراوي. فقد ميَّز الأئمة في الحكم على الرواة بالكذب والوضع، فنجدهم يقولون في بعض الرواة كذاب، وقالوا في بعضهم الآخر: يضع الحديث.

والأمر الآخر: الحكم على الحديث: فإنَّ أحكام النقاد على حديث بالوضع جاء مبنياً في الأعم الأغلب على تفرد الكذابين والهلكى بذلك الحديث، والله أعلم.

وقد يختلف النقاد في تعيين عين الراوي؛ لاشتراك اسمه أو كنيته بين ثقة ومتهم بالكذب، ويكون اختلافهم هذا سبباً في اختلافهم في الحكم على الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً. مثال ذلك ما روى محمد بن جُحادة، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لعنَ رسولُ اللهِ زائراتِ القبورِ، والمتخذاتِ عليها المساجدَ والسُّرُجَ.


(١) مقدمة " الموضوعات " ١/ ١٨ ط. أضواء السلف.
(٢) " النكت " ٢/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>