للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثالث من أنواع علل المتن: رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى

خلق الله الجنس البشري متفاوتاً في قدراته، وما وهبه لَهُ بمنّه وفضله، وَقَدْ أثّر هَذَا التفاوت عَلَى قدرات الناس في الحفظ، فإنّك تجد الحَافِظ الَّذِي لا يكاد يخطئ إلا قليلاً، وتجد الرَّاوِي الكثير الخطأ، ومن ثَمَّ تجد بَيْنَ الرُّوَاة مَنْ يؤدي لفظ الْحَدِيْث كَمَا سمعه، ومنهم مَنْ يحفظ المضمون ولا يتقيد باللفظ، وَهُوَ ما نسميه " الرِّوَايَة بالمعنى " ويمكن أن نعرفها: «أن يعمد الراوي إلى تأدية معاني الحديث بألفاظ من عنده» (١)، فتجب إصابة المعنى وامتثال موجبه دون إيراد لفظه نفسه، بما يقوم مقام كلامه وينوب منابه من غير زيادة ولا نقصان، قال الخطيب: «وقد ورد القرآن بمثل ذلك فإن الله تعالى قص من أنباء ما قد سبق قصصاً كرر ذكر بعضها في مواضع بألفاظ مختلفة والمعنى واحد .. » (٢)، ومن دقيق الخطأ بالمعنى ما نقله الخطيب عن إسماعيل بن علية، قال: «روى عني شعبة حديثاً واحداً فأوهم فيه، حدثته عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: أنَّ النَّبيَّ نهى أنْ يتزعفر الرجل. فقال شعبة: إنَّ النَّبيَّ نهى عن التزعفر. قلت - أي: الخطيب -: أفلا ترى إنكار إسماعيل على شعبة روايته هذا الحديث عنه على لفظ العموم في النهي عن التزعفر، وإنَّما نهى عن ذلك للرجال خاصة، وكأنَّ شعبة قصد المعنى ولم يفطن لما فطن له إسماعيل .. » (٣). وفي جواز أداء الْحَدِيْث بِهَا خلافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاء عَلَى مذهبين رئيسين:


(١) نقله صاحب الرواية بالمعنى في الحديث النبوي: ٢٣، وهناك تعريف أوسع انظر: " معرفة مدار الإسناد " ٢/ ٣٥٦.
(٢) " الكفاية ": ٢٠١.
(٣) " الكفاية ": ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>