للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرهم، أنَّ رِوَايَة الضعيف لا اعتداد بِهَا عِنْدَ عدم المتابع والعاضد. ولكن من الناحية التنظيرية نجد المُحَدِّثِيْنَ عِنْدَ تشخيصهم لحالة التفرد لا يفرقون بَيْنَ كون المتفرد ثقة أو ضعيفًا، فيقولون مثلًا: تفرد بِهِ الزهري، كَمَا يقولون: تفرد بِهِ ابن أبي أويس (١).

وبهذا المعنى يظهر الترابط الواضح بَيْنَ المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، إذ إنهما يدوران في حلقة التفرد والوحدان.

[طريقة كشف التفرد]

يكشف تفرد الراوي بحديث ما الجهابذةُ النقادُ، والسبيل إلى ذلك اعتبار الروايات، وعرض بعضها ببعض؛ ليظهر ما فيها من تفرد، وهذا في كل طبقة من طبقات الإسناد، ولما كان ذلك لا يتحقق إلا بكثرة البحث والتفتيش عن الأسانيد والروايات، في بطون الكتب وصدور الرجال، كان للاعتبار عند المحدثين أهميته البالغة وضرورته القصوى، فبالاعتبار يتبين حال رواة الحديث من حيث التفرد والإغراب ورواية ما لا يعرفون، فهي عملية جِدُّ دقيقة، خلافًا لما يقوم به كثير من المعاصرين بتخريج الأحاديث معرضين عن هذا الجانب الذي هو غاية التخريج (٢).

والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنَّهم يقولون في الْحَدِيث إذا تفرد به واحد - وإن لَم يروِ الثقات خلافه -: إنَّه لا يتابع عَلَيْهِ. ويجعلون ذَلِكَ علة فِيهِ، اللهم إلَّا أَنْ يَكُون ممن


(١) هُوَ إسماعيل بن عبد الله بن عَبْد الله بن أويس بن مالك الأصبحي، أَبُو عَبْد الله بن أبي أويس المدني: صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه، توفي سنة (٢٢٦ هـ) وَقِيْلَ: (٢٢٧ هـ).
انظر: " تهذيب الكمال " ١/ ٢٣٩ - ٢٤٠ (٤٥٢)، و"سير أعلام النبلاء" ١٠/ ٣٩١ - ٣٩٥، و" الكاشف " (٣٨٨)، " التقريب " (٤٦٠).
(٢) انظر: "الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين": ٧٣، و" الإرشادات في تقوية الأحاديث ": ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>