للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هـ - الانشغال بالعبادة والتجارة والقضاء.]

كان الْمُحَدِّثُوْنَ يكتبون بالنهار ويعارضون (١) بالليل ويحفظون بالنهار ويتذاكرون بالليل. وهكذا شأن المُحَدِّثِيْنَ، ومن لَمْ يَكُنْ كذلك فلا يسمى من أهل الحَدِيْث، وأسند الإمام مُسْلِم في مقدمة صحيحه عَنْ أبي الزناد قَالَ: «أدركت بالمدينة مئة، كلهم مأمونون ما يؤخذ عَنْهُم الحَدِيْث يقال: ليس من أهله» (٢).

وَقَالَ مالك بن أنس (٣): «أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عَنْهُمْ، ويقدم ابن شهاب وَهُوَ دونهم في السن فتزدحم الناس عَلَيْهِ» (٤).

وهناك أمور جعلت عدداً من جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ لا يأخذون عَنْ عدد كبير من الرُّوَاة هي أنَّ هؤلاء الرُّوَاة كانوا يتشاغلون عَن الحَدِيْث. والتشاغل عَن الحَدِيْث مدعاة لعدم ضبط الْحَدِيْث وعدم إتقانه وربما كَانَ مآل ذَلِكَ إلى دخول بعض الوهم والعلل والاختلافات.

وهي من أسباب خفة الضبط، فقد ضعفت روايات بعض المحدّثين؛ لانشغالهم عن العلم حفظاً وكتابة، ومن الأمور التي حدت بعض المحدّثين على التقصير في ضبط مروياتهم


(١) المعارضة: هِيَ مقابلة الطالب كتابه بكتاب شيخه الذِيْ يروي عَنْهُ، سماعاً أَو إجازةً، أو بأصل شيخه المقابل بِهِ أصل شيخه. وَقَدْ سأل عروة ابنه هشاماً فَقَالَ: عرضت كتابك؟ قَالَ: لا، قَالَ: لَمْ تكتب. انظر: " الكفاية ": ٢٣٧، و"جامع بَيَان العِلْم" ١/ ٧٧، و"الإلماع":١٦٠، و" معرفة أنواع علم الحَدِيْث ": ٢٥٤ بتحقيقي، و" شرح التبصرة والتذكرة " ١/ ٤٧٨ بتحقيقي، و" فتح المغيث " ٢/ ١٦٤ ط. العلمية و ٣/ ٥٣ ط. الخضير.
(٢) وكذلك أسنده الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " (٤٢٥)، والخطيب في " الكفاية ": ١٥٩ جميعهم من طريق الأصمعي، عَن ابن أبي الزناد، عَنْ أبيه، بِهِ.
(٣) هُوَ مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أبو عَبْد الله المدني، نجم السنن وإمام دار الهجرة صاحب الموطأ والمذهب المعروف، توفي سنة (١٧٩ هـ).
انظر: " حلية الأولياء " ٦/ ٣١٦، و" تهذيب الكمال " ٧/ ٦ (٦٣٢٠)، و" التقريب " (٦٤٢٥).
(٤) " الكفاية ": ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>