للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر الرواية بالمعنى عند النحاة]

كان الأمل أن يصطف الحديث النبوي الشريف بعد القرآن الكريم في حجيته كمصدر من مصادر الدرس النحوي، إلا أنَّ هذا النوع من العلل وهو رواية الحديث بالمعنى، وقف عائقاً أمام النحاة عند الاستشهاد بالحديث النبوي في تقرير قواعدهم، قال السيوطي: «وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء، فقال: إنَّما ترك العلماء ذلك؛ لعدم وثوقهم أنَّ ذلك لفظ الرسول ، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية، وإنَّما كان ذلك لأمرين:

أحدهما: أنَّ الرواة جوزوا النقل بالمعنى …

الأمر الثاني: أنَّه وقع اللحن كثيراً في ما روي من الحديث؛ لأنَّ كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو … » (١).

ما أدى إلى انصراف النحاة الأوائل عن الاستشهاد بالحديث النبوي، وقَفَا آثارهم من جاء بعدهم إلا قليلاً منهم.

قال أبو حيان: «وإنَّما أمعنت (٢) الكلام في هذه المسألة لئلا يقول المبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب، وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما؟ فمن


(١) " الاقتراح ": ٥٦ - ٥٧.
(٢) قال الزركشي في " نكته " ١/ ٣١٢: «المعروف في اللغة: أنعمت - بتقديم النون - بمعنى: بالغت، يقال: أَنَعم في الشيء إذا بالغ فيه .. ، وأما أمعنت - بتقديم العين - فقال ابن الأنباري في " الزاهر ": يقال: قد أمعن لي بحقي، أي اعترف به وأظهره. قال أبو العباس: هو مأخوذ من الماء المعين، وهو الجاري الظاهر. وقال ابن فارس في " المقاييس ": معن: مادته تدل على سهولة في جريان أو جري، يقال: معن الماء: إذا جرى، وأمعن الفرس في عدوه، وأمعن بحقي: ذهب به، وأمعنت الأرض رويت. انتهى. وعلى هذا يتخرج كلام المصنف».
وانظر: " الزاهر " ٢/ ٥٩٢، و " مقاييس اللغة " مادة (معن).

<<  <  ج: ص:  >  >>