للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث» (١).

وقال أبو الحسن بن الضائع: «تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن، وصريح النقل عن العرب، ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأَوْلَى في إثبات فصيح اللغة كلام النَّبيِّ ؛ لأنَّه أفصح العرب» (٢).

فمن هذا العرض تبين سبب إحجام النحاة عن الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في النحو، وما صار إليه غير مقبولٍ أصلاً ورأساً فمنه يعرف أنَّهم احتجوا عن ذلك بسبب عدم مقدرتهم على تمييز ما روي بالمعنى وما روي باللفظ وأهل الحديث الذي بذلوا غاية ما يستطيعه البشر؛ لتنقية الحديث مما شانه يميزون ما جاء بالمعنى على ما لم يأتِ بالمعنى، فهم أهل الشأن، وإليهم المفزع وبعد هذا لا حجة للنحاة برد الحديث، والله الموفق.

مثال ما روي بالمعنى: روى ابن أبي ذئب، عن صالح بن نبهان (٣) مولى التوأمة، عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ في المَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ».

واختلف عَلَى ابن أبي ذئب في لفظه، فرواه:

أبو داود الطيالسي (٤)، ومعمر (٥)، وسفيان الثوري (٦)، وحفص بن غياث (٧)،


(١) " الاقتراح ": ٥٧.
(٢) " الاقتراح ": ٥٧ - ٥٨.
(٣) هُوَ صالح بن نبهان المدني، مولى التوأمة: صدوق اختلط بأخرة، توفي سنة (١٢٥ هـ).
انظر: " تهذيب الكمال " ٣/ ٤٣٨ و ٤٣٩ (٢٨٢٨)، و" ميزان الاعتدال " ٢/ ٣٠٢ - ٣٠٤ (٣٨٣٣)، و" التقريب " (٢٨٩٢).
(٤) في " مسنده " (٢٣١٠).
(٥) عِنْدَ عَبْد الرزاق (٦٥٧٩).
(٦) عند عَبْد الرزاق (٦٥٧٩)، وأبي نُعَيْم في " الحلية " ٧/ ٩٣.
(٧) عند ابن أبي شيبة (١٢٠٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>