للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشكل متزايد، وكثر موجودها، وطالت الأسانيد وكثر رجالها، ولم يبق الوهم مقتصراً على الحفظ والضبط، بل دخل في المصنفات والكتب.

وذهب بعض الباحثين إلى أنَّ هذا المنهج تسارع ارتقاؤه، وتعاظم ازدهاره في فترة زمنية قصيرة، حصرها بين محمد بن سيرين المتوفى سنة (١١٠ هـ) ويحيى بن معين المتوفى سنة (٢٣٣ هـ) أي في خلال (١٢٠) سنة تقريباً، زاعماً أنَّ هذه الفترة تضاعفت فيها أعداد الأسانيد حتى وصلت إلى المليون.

ولما دخل عصر التدوين كان هذا العلم أول ما عني به الأئمة.

وهذه المؤلفات تعطي لنا تصوراً مجملاً عن نشأة علم العلل، وأنَّه بدأ في عصر مبكر جداً مقارنة مع بقية علوم الحديث، وعلى الرغم من قدمِ نشأته فقد قوبل بقلة الاهتمام وضعف الجانب (١).

[مؤسسوه وأئمته]

أسهم الصحابة والتابعون من بعدهم في بناء صرح علم العلل، وتوالتِ اللَّبناتُ ترص بعضها بعضاً حتى غدا علماً لا يُستهان بجنابه، وقد مرّ علينا قبلُ أنَّ علم العلل بدأ بمحمد بن سيرين؛ لأنَّه أول من اشتهر بالكلام في نقد الحديث، مروراً بالزهري الذي كان يملي على تلامذته أشياء في نقد الأحاديث وإعلالها. حتى استقر عند شعبة بن الحجاج، وقد جعل أحد الباحثين شعبة هو المؤسس الحقيقي لهذا العلم؛ لأنَّ أحداً قبله لم يتكلم بالدقة والشمول اللذينِ تكلم بهما شعبة؛ ولأنَّ الحديث أصبح صناعة (٢) وفناً على يديه، وهو


(١) انظر: " لمحات موجزة في أصول علل الحديث ":١٩ - ٢٠، و" قواعد العلل وقرائن الترجيح ": ٣١ - ٣٢، و " العلة وأجناسها ": ٢٦ - ٢٩.
(٢) إنَّ هذا المصطلح «صناعة الحديث» مصطلح قديم، وُجد في العصر الذهبي لعلم العلل، أي في منتصف القرن الثالث، فقد قال مسلم في كتابه " التمييز " (١٠٢): «اعلم رحمك الله أنَّ صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنَّما هي لأهل الحديث خاصة؛ لأنَّهم الحفّاظ لروايات الناس، العارفون لها دون غيرهم … ».
قلت: ومن يطالع كتب ابن حبان يجد عشرات الأقوال في استعمال هذا الاصطلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>