للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثقافة المُعلل

إنَّ علم الحديث ليس كبقية العلوم، فهو يستفرغ العمر كله؛ لأنَّ بالمعلل حاجة إلى عدد من العلوم، بل إلى جميع العلوم كلها، فضلاً عن كونه علماً تتعدد فروعُهُ، وتتنوعُ علومه، وتتشعبُ أفنان فنونه، ولم يبالغ الحازميُّ عندما قال: «اعلم أنَّ علمَ الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مئة نوع، وكلُّ نوعٍ منها علمٌ مستقلٌ لو أنفق الطالب فيه عمرَهُ لما أدرك نهايتَه» (١) لذلك فإنَّ علم الحديث وصناعته لأهل الحديث خاصة، قال مسلم: «إنَّ صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنَّما هي لأهل الحديث خاصة؛ لأنَّهم الحفاظ لروايات الناس، العارفون بها دون غيرهم، إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصرٍ من لدن النبيِّ إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمنْ نابذهم منَ الناس، وخالفهم في المذهب إلى معرفة الحديث، ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار من نقلة الأخبار وحُمّال الآثار، وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميّزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح، وإنمَّا اقتصصنا هذا الكلام، لكي يتبينهُ من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبّه على تثبيت الرجال وتضعيفهم، فيعرف ما الشواهد عندهم والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله، أو أسقطوا من أسقطوا منهم، والكلام في تفسير ذلك يكثر» (٢).

هكذا أبان الإمام مسلم أنَّ صناعة الحديث ومعرفة علله هو علم يختص


(١) نقله الحافظ ابن حجر في "النكت" ١/ ٢٣٣ و: ٦٢ بتحقيقي عن كتاب "العجالة" للحازمي.
(٢) " التمييز" (١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>