للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به أهل الحديث خاصة، وهذا النص الذي نقلته بطوله منْ أنفس النصوص، وأقدمها، ومن خلاله يبين للقارئ - أي قارئ - أنَّ هذا العلم منْ أصعب العلوم وأحنكها، ولا يتمكن فيه إلا من كان تقوى الله رائدُهُ، والتقرب بالنوافل ديدنه، والكف عن المحارم طريقته؛ إذ إنَّ صِمام الأمان تقوى الله أولاً، ثم المعرفة التامة لذلك العلم قال الذهبي: «فحق على المحدِّث أنْ يتورع في ما يؤديه، وأنْ يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته، ولا سبيل إلى أنْ يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويُجرّحهم جِهبذاً إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل:

فَدعْ عَنْكَ الكتابةَ لستَ مِنها … ولو سَوّدتَ وجهكَ بالمداد

قال الله تعالى ﷿: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ (١) فإنْ آنستَ يا هذا من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً وإلا فلا تتعن، وإنْ غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب، وإنْ عرفت أنَّك مخلطٌ مخبطٌ مهملٌ لحدودِ الله فأرحنا منْكَ، فبعد قليلٍ ينكشف البهْرج، وينكبُّ الزغل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فقد نصحتك فعلم الحديث صلفٌ، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أنْ لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب» (٢).

إذن فهذا الفن ليس كبقية الفنون؛ إذ المعرفة به تستدعي علوماً أخرى خادمة له، وقد أعجبني كلامٌ طويلٌ لابن الأثير أنقله جميعه لأهميته، فقد قال رحمه الله تعالى: « … إلا أنَّ من أصول فروض الكفايات علم أحاديث

رسول الله ، وآثار أصحابه التي هي ثاني أدلة الأحكام ومعرفتها أمرٌ


(١) النحل: ٤٣
(٢) " تذكرة الحفاظ "١/ ٤، هكذا قال الذهبي رحمه الله تعالى في زمانه ذاك الذي يزخر بالعلم، فكيف لو رأى زماننا هذا، والناس في غربة العلم في هذا الفن العظيم نسأل الله العافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>