للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام أحمد في المنكر: «إن ما انفرد به ثقة، فإنه يُتوقف فيه حتى يتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان، وابن معين، وغيرهما» (١) وهذا الصنيع هو الذي يبين للمرء واجب المحدّثين المتأخرين، الذين نجموا بعد القرن الثالث الهجري، والذين كان لهم أثر في خدمة العلم وبيان المصطلحات، حتى لا يقع اللبس على الحديثيّ المبتدئ (٢).

[دنو رتبة الشاذ]

إنَّ الثقة إذا خالف من هو أوثق منه عدداً أو حفظاً، وكان الجمع غير ممكن، ثم ترجحت رواية الأحفظ أو رواية الجمع الذين هم أولى بالحفظ، فإنَّ رواية الثقة تلك تكون شاذة ساقطة، وتكون رتبتها أدنى من رواية الراوي الضعيف؛ لأنَّها خطأ، قال أبو داود: «فإنَّه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم» (٣).

ومع حكمنا بشذوذ رواية الثقة وخطئها، فإنا لا نحكم عليها بالوضع والكذب، بل نطلق عليها مصطلح باطل، والشيخ عبد الله السعد لهجٌ في دروسه بإطلاق (باطل) على الروايات الشاذة، وهذا هو الصواب.

[صعوبة إدراك الشاذ]

إنَّ جهابذة النقاد من المحدّثين لا تفوتهم معرفة الشاذ؛ لجودة قريحتهم، وسعة حفظهم، ولما لديهم من معطيات مكنتهم من هذا الفن، قال البيهقي: «وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه، لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم، وإنَّما يعرف بكثرة السماع، ومجالسة أهل العلم بالحديث،


(١) " فتح الباري " ٤/ ١٧٤.
(٢) انظر: "نزهة النظر": ٥٣، و"النكت" ٢/ ٦٥٢ - ٦٥٣ و: ٤٣١ - ٤٣٢ بتحقيقي، وقال المناوي في "اليواقيت والدرر" ١/ ٤٢٤: «وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح».
(٣) " رسالة أبي داود إلى أهل مكة ": ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>