للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذاكرتهم، والنظر في كتبهم، والوقوف على روايتهم، حتى إذا شذ منها حديث عرفه» (١).

هذا نظر ثاقب من الحافظ البيهقي - وهو الخبير الناقد - إذ إنَّ معرفة العلل عموماً، ومعرفة الشاذ خصوصاً، والحكم على الأحاديث، ليست قضية حسابية نظرية تبنى على قواعد ظاهرة فقط، بل إنَّ التصحيح والتضعيف، ومعرفة العلل والشذوذ، يناله النقاد من أهل الحديث، حينما تكون لديهم جملة وافرة من المعطيات، تمكنهم من نقد المرويات والحكم عليها، بحيث يترجح عندهم الحكم الذي يليق بتلك الرواية مع وجود القرائن التي تحفها، فيحكمون على كل رواية بما يليق بها.

ولما مكنَّهم الله من ذلك فإنَّهم كانوا لا يشذ عنهم شيءٌ إلا عرفوه وحكموا فيه بما يستحق، قال أبو داود: «ولو احتج رجلٌ بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتجُ بالحديث الذي قد احتج به، إذا كان الحديث غريباً شاذاً. فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح، فليس يقدر أن يرده عليك أحدٌ» (٢).

وقال الحافظ ابن حجر مبيناً صعوبة معرفة هذا النوع: «وهذا على هذا أدقُّ من المعلل بكثير، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة، وكان في الذروة (٣) من الفهم الثاقب، ورسوخ القدم في الصناعة، فرزقه الله تعالى نهاية الملكة» (٤). وقال تلميذه السخاوي: «وهذا يشعر باشتراك هذا مع ذاك في كونه ينقدح في نفس الناقد أنَّه غلط، وقد تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه، وأنَّه من أغمض الأنواع وأدقها، ولا يقوم به إلا من


(١) " معرفة السنن والآثار " ١/ ٨٢ مقدمة ط. العلمية و (١٧٠) ط. الوعي.
(٢) " رسالة أبي داود إلى أهل مكة ": ٤٧، وقد صدّر هذا الكلام بقوله: «فإنَّه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم» ويقصد بالغريب الشاذ.
(٣) في مطبوع " النكت الوفية ": «الذورة».
(٤) كما في " النكت الوفية " ١/ ٤٥٥ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>