للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رزقه الله الفهم الثاقب، والحفظ الواسع، والمعرفة التامة بمراتب الرواة، والملكة القوية بالأسانيد والمتون، وهو كذلك، بل الشاذ - كما نسب لشيخنا - أدق من المعلل بكثير» (١).

إنَّ ما ذكر من أنَّه أصعب من المعلل فهو مبالغة؛ فكل شاذ معلل ولا عكس، وإدراك علة من العلل، أصعب من معرفة الشذوذ، والله أعلم.

وتجدر الإشارة إلى أنَّه يوجد في كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين إطلاق الحكم بالشذوذ والنكارة على كثير من التفردات، قال الحافظ ابن الصلاح: «وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث» (٢).

وقد قيد الحافظ ابن حجر هذا الكلام بقوله: «وهذا مما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد (٣) من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده» (٤).

وهذا نظرٌ جدٌّ من الحافظ ابن حجر في أنَّ عدداً من المتقدمين يطلقون أحياناً على التفرد: الرد والنكارة والشذوذ، وهو حكمٌ مهم على الحديث بالخطأ، سواء كان الخطأ في الإسناد أو في المتن، أو أنَّه أغرب عن الثقات في الرواية عن راو مكثر، له تلاميذ كثر فأغرب عنهم، أو أنَّ الراوي ممن لا يحتمل تفرده بسنة عزيزة فينفرد بها، وعلى هذا يحمل كلام الخليلي المذكور سالفاً في حده للشاذ، ومما يُستأنسُ به في ذلك قول الإمام مسلم: «وعلامة المنكر في حديث المحدّث، إذا ما عُرضتْ روايتُه للحديث على رواية غيره من أهل


(١) " فتح المغيث " ١/ ٢١٩ ط. العلمية و ٢/ ٨ ط. الخضير، هكذا عبر السخاوي في آخر كلامه، لما بينه وبين البقاعي من جفوة، نسأل الله السلامة.
(٢) " معرفة أنواع علم الحديث ": ١٧٠ بتحقيقي.
(٣) كأبي زرعة الرازي وأبي داود السجستاني وأبي حاتم.
(٤) " النكت على كتاب ابن الصلاح " ٢/ ٦٧٤ و: ٤٥١ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>