للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعيم: ليس من حديثي اضرب عليه، ثم قرأ العشر الثاني، وأبو نعيم ساكت، فقرأ الحديث الثاني، فقال أبو نعيم: ليس من حديثي اضرب عليه، ثم قرأ العشر الثالث، وقرأ الحديث الثالث، فتغيّر أبو نعيم وانقلبت عيناه، ثم أقبل على يحيى بن معين، فقال له: أما هذا - وذراع

أحمد بن حنبل في يديه - فأورع من أنْ يعمل مثل هذا، وأما هذا، يريدني، فأقلّ من أنْ يفعل مثل هذا، ولكن هذا من فعلك يا فاعل، ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين، فرمى به من الدكان، وقام فدخل داره، فقال أحمد ليحيى: ألم أمنعك من الرجل، وأقل لك إنَّه ثبت، قال: والله لرفسته لي أحب إليَّ من سفري!» (١).

قال أبو حاتم جواباً عن سؤال ابنه عن حديث رواه هشام بن عمّار: «رأيت هذا الحديث قديماً في أصل هشام بن عمّار عن حاتم هكذا مرسل، ثم لقنوه بأخذه عن جابر فتلقن، وكان مغفلاً» (٢)، وقال الإمام أحمد عن

عبد الرزاق: «كان يلقن فلقنه وليس هو في كتبه، وقد أسندوا عنه ما ليس في كتبه» (٣)، ونقل الخطيب عن الحميدي بسنده قال: «ومن قَبِلَ التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه وأخذ عنه ما أتقن حفظه، إذا علم ذلك التلقين حادثاً في حفظه لا يعرف به قديماً، وأما من عرف به قديماً في جميع حديثه، فلا يقبل حديثه ولا يؤمَن أن يكون ما حفظه مما لقن» (٤).

[٩ - شدة وثوق الراوي بحفظه والاعتماد عليه]

إنَّ الكتاب المتقن الموثَّق لحجة عند العلماء، بل هو ميزان، ودليل على صحة حفظ الراوي (٥)، واعتماد الراوي على حفظه والوثوق به بما يبعده عن كتبه، فيحدث من حفظه، والحفظ خوّان، هذا الأمر يدخل فيه تام الضبط وخفيفه، إذ لا يسلم من الخطأ أحد.


(١) " تاريخ بغداد " ١٤/ ٣١٥ - ٣١٦ ط. الغرب.
(٢) " علل الحديث " (١٧٤٣).
(٣) " بحر الدم " (٦١٩).
(٤) " الكفاية ": ١٤٩.
(٥) انظر: " تحرير علوم الحديث " ١/ ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>