للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقل السمعاني عن جعفر بن درستويه، قال: «أُقعد علي بن المديني بسامراء على منبر، فقال: يقبح بمن جلس هذا المجلس أنْ يحدّث من كتاب، فأول حديث حدّث من حفظه غلط فيه، ثم حدّث سبع سنين من حفظه لم يخطئ في حديث واحد» (١)، وعن يحيى بن معين، قال: «دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقلت له: أوصني. فقال: لا تحدّث المسند إلا من كتاب» (٢).

وذكر ابن حبان أجناساً من أحاديث الثقات لا يجوز الاحتجاج بها، منها: الثقة الحافظ إذا حدث من حفظه وليس بفقيه؛ لأنَّهم كانوا يحفظون الطرق والأسانيد دون المتون، والفقيه إذا حدث من حفظه، وهو ثقة في

روايته؛ لأنَّ الغالب عليه حفظ المتون دون الأسانيد، فلا يجوز الاحتجاج بخبريهما إلا أنْ يحدثا من كتاب، أو يوافقا الثقات فيما يرويانه (٣).

وقد استحسن المحدّثون ألا يروي المحدّث إلا من كتابه؛ لأنَّه أبعد عن الوهم والغلط (٤) ولم يفتْ علماءَ الحديث تنبيهُ الرواة على الابتعاد عن التحديث من غير كتاب، قال الباجي: «قد عُدم من يحفظ، ولو لم يُؤخذ إلا عن من يحفظ لعدم من يؤخذ عنه، فقد قلّ الحفاظ واحتيج إلى الأخذ عمن لهُ كتاب صحيح» (٥)، وقال الإمام أحمد عن عبد الأعلى السامي: «ما كان من حفظه ففيه تخليط، وما كان من كتاب فلا بأس به» (٦)، وقال ابن حبان عن عبد الله ابن نافع بن أبي نافع: «كان صحيح الكتاب، وإذا حدّث من حفظه ربما أخطأ» (٧)، وقال الرامهرمزي: «وإنما كره الكتاب من كره من الصدر الأول؛ لقرب العهد وتقارب الإسناد، ولئلا يعتمده الكاتب فيهمله أو يرغب عن تحفظه والعمل به، فأما والوقت متباعد، والإسناد غير متقارب، والطرق


(١) " أدب الإملاء ": ٥٧.
(٢) " أدب الإملاء ": ٥٨.
(٣) انظر: " المجروحين " ١/ ٩٣.
(٤) انظر: " العلة وأجناسها ": ١٧٩.
(٥) " التعديل والتجريح " للباجي ١/ ٢٨٩.
(٦) " سؤالات أبي داود لأحمد " (٥٣٠).
(٧) " تهذيب التهذيب " ٦/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>