للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي:

وجدنا أنَّ معنى الفعل الثلاثي المجرد (دَرَجَ) يدور عَلَى أمرين:

١. طوي الشيء.

٢. إدخال الشيء في الشيء.

وكأنَّ المُدْرِج - اسم الفاعل - طوى البيان، فَلَمْ يوضّح تفصيل الأمر في الْحَدِيْث. أو كأنَّه أدخل حديثين لقائلين مختلفين، فالاستعمال الاصطلاحي باقٍ عَلَى الوضع اللُّغوي الأول، وَلَمْ يخرج إلى المجاز.

[أنواع الإدراج]

يتفق الباحثون والكتّاب في مجال علوم الْحَدِيْث عَلَى جعل المدرج عَلَى أنواع. لَكِنْ تقسيمهم لهذه الأنواع يختلف زيادة ونقصاً، كَمَا يختلف باعتبار الحيثيات الَّتِيْ ينبني عَلَيْهَا ذَلِكَ التقسيم.

وهكذا نجد الحافظ ابن الصَّلَاحِ يصدر كلامه عن المدرج بقوله: «وَهُوَ أقسام: مِنْهَا ما أُدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله من كلام بعض رواته، بأنْ يذكر الصَّحَابِيُّ أو مَنْ بعده عقيب ما يرويه من الْحَدِيْث كلاماً من عِنْد نفسه، فيرويهِ مَنْ بعده موصولاً بالحديث غَيْر فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فِيْهِ عَلَى من لا يعلم حقيقة الحال، ويتوهم أنَّ الجميع عن رَسُوْل الله » (١).

فنراه قيّد وقوع الإدراج بكونه عقب الْحَدِيْث، والحق أنَّ هَذَا التنظير خلاف الواقع، وإذا كَانَ غالب الإدراج أنْ يقع عقب الْحَدِيْث، فليس هَذَا مسوغاً لحصر الإدراج بِهِ، فنجد أنَّه قَدْ يقع في أول الْحَدِيْث وفي وسطه كَمَا يقع في آخره. زدْ على أنه يقع في الإسناد أَيْضاً لا كَمَا يوهم كلام ابن الصَّلَاحِ من انحصاره بالمتن فَقَطْ (٢). وعلى هَذَا يدل صنيع الْخَطِيْب البغدادي في كتابه


(١) " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث ": ١٩٥ بتحقيقي.
(٢) إذ إنَّ ابن الصلاح - رحمه الله تعالى - عرف الإدراج بتعريف غير جامع يؤخذ منه أن الإدراج يكون في المتن فقط، لكنه ساق بعد ذلك أمثلة على مدرج الإسناد، ولعل مثل هذا دخل على ابن الصلاح؛ لأنه أملى كتابه إملاءً فلم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " النزهة ": ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>