للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انشغالُ بعضهم بالعبادة وصرف غالب أوقاتهم لذلك دون متابعة ضبط رواياتهم. قال ابن حبان: «ومنهم من كبر وغلب عليه الصلاح والعبادة، وغفل عن الحفظ والتمييز، فإذا حدّث رفع المرسل وأسند الموقوف وقلّب الأسانيد، وجعل كلام الحسن، عن أنس، عن النبيِّ وما شبه هذا حتى خرج عن حد الاحتجاج به» (١). وَقَدْ أصل ابن رجب في ذَلِكَ قاعدة فَقَالَ: «الصالحون غَيْر العلماء يغلب عَلَى حديثهم الوهم والغلط» (٢).

والحافظ ابن رجب إنما أخذ ذَلِكَ من أقوال أئمة هَذَا الشأن، العارفين بعلله، الغواصين في معانيه وأسراره، قَالَ نجم العلماء (٣) مالك بن أنس: «أدركت بهذا البلد - يعني الْمَدِيْنَة - مشيخة لَهُمْ فضلٌ وصلاحٌ وعبادة يحدِّثون، ما سَمِعْتُ من واحد مِنْهُمْ حديثاً قطُّ، فقيل لَهُ: وَلِمَ يا أبا عَبْد الله؟ قَالَ: لَمْ يكونوا يعرفون ما يحدِّثون» (٤). وَقَالَ أَيْضاً: «لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذَلِكَ، لا يؤخذ من سفيه مُعلن بالسَّفه وإنْ كَانَ أروى الناس، ولا يؤخذ من كذّاب يكذب في أحاديث الناس، إذا جرب ذَلِكَ عَلَيْهِ، وإن كَانَ لا يُتَّهَمُ أنْ يكذب عَلَى رَسُوْل الله ، ولا من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخٍ لَهُ فضلٌ وعبادة إذا كَانَ لا يعرف ما يحدّث بِهِ» (٥).

وجعل ابن تيمية من أسباب السهو: «الاشتغال عن هذا الشأن بغيره، فلا ينضبط له، ككثير من أهل الزهد والعبادة .. » (٦).

وَقَالَ ابن منده (٧):

«إذا رأيت في حَدِيْث (حدثنا فُلَان الزاهد) فاغسل


(١) مقدمة " المجروحين " ١/ ٦٧.
(٢) " شرح علل الترمذي " ٢/ ٧١١ ط. عتر و ٢/ ٨٣٣ ط. همام.
(٣) أطلق عَلَيْهِ ذَلِكَ الإمام الشَّافِعِيُّ، قَالَ المزي في " تهذيب الكمال " ٧/ ١٣ (٦٣٢٠): «وَقَالَ يونس بن عَبْد الأعلى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يقول: إذا جاء الأثر فمالك النجم».
(٤) " العلل " للإمام أحمد رِوَايَة المروذي (٣٢٨).
(٥) " المحدّث الفاصل " (٤١٨).
(٦) " مجموعة الفتاوى " ١٨/ ٢٨.
(٧) هُوَ الحافظ الجوال أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن إسحاق بن مُحَمَّد بن يحيى بن منده، واسم منده: إبراهيم بن الوليد، قَالَ الباطرقاني: حَدَّثَنَا ابن منده إمام الأئمة في الْحَدِيْث، ولد سنة
(٣١١ هـ)، وَقِيْلَ سنة: (٣١٠)، وتوفي سنة (٣٩٥ هـ).

انظر: " سير أعلام النبلاء " ١٧/ ٢٨، و" ميزان الاعتدال " ٣/ ٤٧٩، و" تذكرة الحفاظ " ٣/ ١٠٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>