للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعلم (١). وهذا ترتفع عنه جهالة العين. أما جهالة الحال فلا ترتفع إلا بتزكية من النقاد، أو إذا روى عنه راو معروف عند النقاد أنَّه لا يروي إلا عن ثقة مثل يحيى القطان، قال عنه العجلي: «بصري، ثقة نقي الحديث، وكان لا يحدث إلا عن ثقة» (٢)، وقال ابن حبان: «وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن النقل وترك الضعفاء، ومنه تعلم علم الحديث أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وسائر شيوخنا» (٣)، وسأل أبو داود الإمام أحمد فقال له: «إذا روى يحيى أو عبد الرحمان بن مهدي عن رجل مجهول، يحتجُّ بحديثه؟ قال: يحتج بحديثه» (٤) ومع كل هذا فإنَّ من كان بهذا الحال فإنا لا نجسر على الجزم بثقة هذا الراوي كما نجزم بثقة من نص على توثيقه، ولكن رواية من عُرف بالاحتياط عنه، تكون تقوية لحاله. ويتفرع من هذا القسم إذا لم يكن للراوي إلا راويان، ولكنهما أكثرا من النقل عنه، بما يدل على أنَّ هذا الراوي مرضي عندهما فكل هذه الأمور مقوية لحال الراوي. وإذا احتج به صاحبا الصحيحين، قال الذهبي: «فمن احتجا به أو أحدهما، ولم يوثق ولا غمز فهو ثقة حديثه قوي» (٥).

المسألة الثالثة: ارتفاع الجهالة هل يثبت العدالة؟ هذا السؤال أجاب عنه الحافظ الذهبي فقال: «وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين إطلاق اسم (الثقة) على من لم يجرح مع ارتفاع الجهالة عنه» (٦). ولعل من أشهر من تزعم هذا المذهب ابن حبان فإنَّه قال: «فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها، فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره؛ لأنَّ العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل، فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبين ضده، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنَّما


(١) انظر: " الكفاية ": ٨٨.
(٢) " معرفة الثقات " (١٩٧٨).
(٣) " الثقات " ٧/ ٦١١.
(٤) " سؤالات أبي داود للإمام أحمد " (١٣٧).
(٥) " الموقظة ": ٧٩.
(٦) " الموقظة ": ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>