للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ثالثاً: فإن قوله في نهاية الْحَدِيْث: «فَإِنَّما أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»، دليل عَلَى صحة صومه، فَهُوَ مُشعِر بأنَّ الفعل الصادر مِنْهُ غَيْر مضاف إِلَيْهِ، والحكم بكونه مفطراً يحتاج إِلَى إضافته إِلَيْهِ (١).

لذا قَالَ الخَطّابي (٢): «إنَّ النسيان من باب الضرورة، والضرورات من فعل الله سبحانه، ليست من فعل العباد، ولذلك أضاف الفعل في ذلك إلى الله » (٣).

وقال ابن المنير فيما نقله الحافظ: «أوجب مالك الحنث على الناسي، ولم يخالف ذلك في ظاهر الأمر إلا في مسألة واحدة وهي: من حلف بالطلاق ليصومن غداً، فأكل ناسياً بعد أنْ بيّت الصيام من الليل، فقال مالك: لا شيء عليه، فاختلف عنه، فقيل: لا قضاء عليه، وقيل: لا حنث ولا قضاء، وهو الراجح، أما عدم القضاء؛ فلأنَّه لم يتعمد إبطال العبادة، وأما عدم الحنث: فهو على تقدير صحة الصوم؛ لأنَّه المحلوف عليه، وقد صحح الشارع صومه، فإذا صح صومه لم يقع عليه حنث» (٤).

وقال القسطلاني: «وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية، وإذا كان صوماً وقع مجزئاً، ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء، قاله ابن دقيق العيد، وهذا الحديث دليل على الإمام مالك حيث قال: إنَّ الصوم يبطل بالنسيان ويجب القضاء. وأجيب: بأنَّ المراد من هذا الحديث إتمام صورة الصوم. وأجيب بما سبق من حمل الصوم على الحقيقة الشرعية، وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى اللغوي والشرعي كان حمله على الشرعي أولى»، وقال: «فقول ابن


(١) انظر: " إحكام الأحكام " لابن دقيق العيد:٢١٤، وفتح الباري ٤/ ١٥٦ عقب (١٩١١).
(٢) الإِمَام الحَافِظ أبو سليمان، حَمْد بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف مِنْهَا " معالم السنن " و " غريب الحديث "، توفي سنة (٣٨٨ هـ).
انظر: " الأنساب " ١/ ٣٦٤، و" سير أعلام النبلاء " ١٧/ ٢٣ و ٢٧، و" مرآة الجنان " ٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨.
(٣) " معالم السنن " ٢/ ١٠٣، وانظر: " أعلام السنن "، له ١/ ٤٩٩.
(٤) " فتح الباري " ٤/ ٦٧٤ عقب (٦٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>