سابعاً: في هذا الإسناد علّة أخرى هي عنعنة أبي إسحاق السبيعي فهو مدلس. انظر: " جامع التحصيل ": ١٠٨، و" طبقات المدلسين ": ٤٢، و" أسماء المدلسين ": ١٠٣. ولكن تابعه عليه جماعة فزالت تلك العلّة، قال الحاكم ٢/ ١٧١: «وقد وصله عن أبي بردة جماعة غير أبي إسحاق». وممن تابعه: ابنه يونس، عن أبي بردة، أخرجه: أحمد ٤/ ٤١٣ و ٤١٨ وقد سبق أنّ أبا داود أخرجه عن أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي= =موسى، قال أبو داود عقب (٢٠٨٥): «هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي بردة». يعني أنَّ يونسَ يرويه بإسقاط أبي إسحاق، وإسرائيل يذكره، فجمع أبي عبيدة لهما على إسناد واحد خطأ. ورواية أبي عبيدة علّقها الترمذي عقب (١١٠٢) على نحو ما ذكره أبو داود. أقول: يونس معروف بالسماع والرواية عن أبيه أبي إسحاق وعن أبي بردة، فيكون قد سمعه منهما كليهما، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا. ينظر: " العلل الكبير " للترمذي: ٤٢٩ - ٤٣٠ (١٦٠)، وصحيح ابن حبّان (٤٠٨٥) قال الحاكم ٢/ ١٧١ - ١٧٢: «لست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس بن أبي إسحاق، وأنَّ سماعه من أبي بردة مع أبيه صحيح». ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة قال الحاكم ٢/ ١٧٢: «وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر … » ثم قال: «قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي ﵌ عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش». والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي. انظر: " المستدرك " ٢/ ١٧٠. أقول: مما سبق تبين أنَّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنَّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره ولهذا قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ٩/ ٢٣٠ عقب (٥١٣٠): «ومن تأمل ما ذكرته = =عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل الذي وصله على غيره»، وقال البقاعي في " النكت الوفية " ١/ ٤٢٦ - ٤٢٧ بتحقيقي: «ولذلك حكم البخاري بوصل حديث «لا نكاح إلا بولي» لا لأنه زيادة ثقة، ولا لأن سفيان وشعبة اختلف عليهما، فروياه مرة مرسلاً، ومرة متصلاً، والطريق التي روي منها مرسلاً إليها ضعيفة، بل لأنهما وإن كانا جبلين في الحفظ فالذين وصلوه سبعة، منهم: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن جده أبي إسحاق، فإذا جعلنا كلاً من شعبة وسفيان برجلين، أو بثلاثة، كان الواصلون أكثر على كل حال … » إذن فالترجيح صار بالكثرة.