للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فورك ما يصرح بهذا التفصيل الذي أشرت إليه، فإنَّه قال في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته، ثم فصل ذلك فقال: إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه، وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد. وإن تلقوه بالقبول قولاً وفعلاً حكم بصدقه قطعاً. وحكى أبو نصر القشيري عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنَّه بيّن في كتاب " التقريب " أنَّ الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أنْ يظهر منهم ذلك التواطؤ على أنَّ هذا الخبر صدق، كان ذلك دليلاً على الصدق، قال أبو نصر: وحكى إمام الحرمين عن القاضي أنَّ تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق، ولعل هذا فيما إذا تلقته بالقبول، ولكن لم يحصل إجماع على تصديق الخبر، فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي. وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب " الملخص " بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول قال:

وإنَّما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا؟ .. » (١).

وقال ابن عبد البر -لما حكى عن الترمذي أنَّ البخاري صحح حديث البحر: «هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ» (٢) -: «وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده، وهو عندي صحيح؛ لأنَّ العلماء تلقوه بالقبول له، والعمل به» (٣).

وروى جابر عن النَّبيِّ : «الدينارُ أربعٌ و عشرونَ قيراطاً».

قال: «وهذا الحديث وإنْ لم يصح إسناده، ففي قول جماعة العلماء به، وإجماع الناس على معناه، ما يغني عن الإسناد فيه» (٤).

وقال الزركشي: «إنَّ الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول، عمل به على الصحيح، حتى إنَّه ينزل منزلة المتواتر في أنَّه ينسخ المقطوع» (٥).


(١) " النكت " ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣ و: ١٧٤ - ١٧٥ بتحقيقي.
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) " التمهيد " ٦/ ١٠٧ وفي " الاستذكار "، له ١/ ١٩٨ - ١٩٩ قال: «وهذا يدلك على أنَّه حديث صحيح المعنى، يتلقى بالقبول، والعمل الذي هو أقوى من الإسناد المنفرد».
(٤) " التمهيد " ٧/ ٢٨٨.
(٥) نكته على ابن الصلاح ١/ ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>