للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- كالإمام فخر الدين وأتباعه - أنَّ الاعتبار في المسألتين بما وقع منه أكثر وزعم بعضهم أنَّ الراجح من قول أئمة الحديث في كليهما التعارض .. » (١).

والذي ظهر لي - من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم -: أنَّهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات؛ فعلى هَذَا فإنَّ حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطّردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث، وأنقل هنا كلاماً نفيساً لابن دقيق العيد نقله الزركشي قال: «إنَّ ذلك ليس قانوناً مطّرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول، فإنَّهم يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته، لمخالفة جمع كثير للأقل، ومن هو أحفظ منه، أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة ظن بغلطه، وإن كان هو الذي وصل أو رفع ولم يجروا في ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث. قال: وأقرب الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر» (٢).

وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ.

فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة: حَدِيث عَلِيٍّ : «يُنْضَحُ مِنْ بولِ الغلامِ، ويُغْسَلُ بولُ الجاريةِ». قَالَ الإمام التِّرْمِذِي: «رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة، وأوقفه سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، وَلَمْ يرفعه» (٣).

وَقَالَ الحافظ ابن حجر: «إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه،


(١) " فتح المغيث " ١/ ١٩٥ ط. العلمية و ١/ ٣١١ ط. الخضير.
(٢) " نكت الزركشي " ٢/ ٦٠.
(٣) جامع التِّرْمِذِي عقب (٦١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>