فبعضهم يذهب إلى تصويب الرواة والنساخ مطلقاً، ويبحث عن مسوغ لكل لفظة مهما كان ما خالفها من الروايات بعيداً، إحساناً للظن بهم، وهذه طريقة إمام النحو جمال الدين ابن مالك وتلميذه الإمام النووي ومن تبعهم كالقاري وبعضهم يذهب إلى تخطئة الرواة مطلقاً في كل ما خالف المشهور من العربية حتى لو اتفق الرواة على هذه اللفظة، وهذه طريقة أبي البركات الأنباري وابن الجوزي والعكبري والسيوطي.
وبعضهم يتوسط فينظر في اختلاف الرواة فحيث اتفقوا حكم بصحة اللفظة؛ لأنَّ طرق إثبات اللغة ليست أقوى من هذه الأسانيد الصحيحة، وحيث اختلف الرواة حكم بأنَّ هذا من تصرف الرواة، وهذه طريقة الحافظ ابن حجر وغيره. وهذه الطريقة الأخيرة هي الطريقة المرضية التي لا يسوغ غيرها في نظري.
انتهى كلام الشيخ أبي مالك العوضي وفقه الله تعالى، ومنه تظهر قوة عبارته وجودة قريحته وتفننه في العلوم، وإنما سقت هذا بطوله لأدلل على ضرورة التفنن في العلوم لرجل العلل، وما ذكرته من هذا المثال المطول فهو فيما يتعلق بعلم واحد مساعد لرجل العلل، ومنه تدرك ضرورة التفنن والتوسع في هذا الفن، وعوداً على بدء، فلا بد لطالب العلم من طول المذاكرة، وكثرة الممارسة، و إدمان التخريج، والنظر لإدراك مسالك أهل العلم في إعلال الأحاديث، قال الحافظ ابن رجب: «ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكر به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة