للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوهم؟!» (١)، وقال ابن معين: «من لا يخطئ في الحديث، فهو كذاب» (٢)، ومعرفة الخطأ في حَدِيْث الثقة لا يتمكن من مَعْرِفَته إلا الأئمة الجامعون، وَقَدْ يطلع الجهبذ عَلَى حَدِيْث ما فيحكم عليه بخطأ راويه الثقة، مع أنَّ ظاهر الْحَدِيْث السلامة من هَذِهِ العلة القادحة، لَكِن العالم الفهم لا يحكم بِذَلِكَ عن هوى، بَلْ يترجح لديه أنَّ أحد الرُّوَاة قَدْ أخطأ فيه؛ وذلك للقرائن الَّتِيْ تحيط به، ومثل هَذِهِ الْمَعْرِفَة لا تتضح لكل أحد، بَلْ هِيَ لِمَنْ منحه الله فهماً دقيقاً، واطلاعاً واسعاً، وإدراكاً كبيراً، ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها، ومشكلاتها وغوامضها، ومعرفة واسعة بطرق الْحَدِيْث ومخارجه، وأحوال الرُّوَاة وصفاتهم.

وما دام إدراك الخطأ في حَدِيْث الثقة أمراً خفياً لا يتمكن مِنْهُ كُلُّ أحد، ولا ينكشف لكل ناقد، فإنَّ بعضاً من أخطاء الثقات قَدْ ظن بِهَا جَمَاعَة من القوم الصحة؛ لظاهر ثقة رجالها، واتصال إسنادها، وظاهر خلوها من العلة، وَقَدْ أخذوا بتلك الأحاديث وعملوا بِهَا تحسيناً لظنهم بأولئك الرُّوَاة الثقات، فحصل اختلاف بَيْنَ الأحاديث.

مثال ذَلِكَ: حَدِيْث وائل بن حجر في الجهر بـ (آمين) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة في الصلاة.

فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث: سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل (٣)، عن حجر بن العنبس (٤)، عن وائل بن حجر، قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ قرأ: ﴿غَيْرِ


(١) " الكامل " ١/ ١٩١.
(٢) " تاريخ ابن معين " (٢٦٨٢) برواية الدوري.
(٣) هُوَ سلمة بن كهيل الحضرمي، أبو يحيى الكوفي: ثقة. انظر: " التقريب " (٢٥٠٨).
(٤) هُوَ حجر بن العنبس الحضرمي، أبو العنبس، ويقال: أبو السكن، الكوفي، أدرك الجاهلية، رَوَى عن علي بن أَبِي طالب، ووائل بن حجر قَالَ فيه يحيى بن معين: شيخ كوفي ثقة مشهور، وَقَالَ الْخَطِيْب: كَانَ ثقة احتج بِهِ غَيْر واحد من الأئمة. انظر: " تهذيب الكمال " ٢/ ٦٩ (١١٢٠)، وذكره ابن حبان في "الثقات"٦/ ٢٣٤، وَقَالَ الذهبي في "الكاشف" (٩٥٠): «ثقة».

<<  <  ج: ص:  >  >>