للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى التحمل عَنْهُ، وإنْ تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ، بأنْ كانت فِيْهِ غفلة أو بلادة ذهن أعرض عَنْهُ وتركه.

مثاله: ما وقع للإمام البخاري لما قدم بغداد، فأراد أهل الْحَدِيْث اختبار حفظه، فعمدوا إلى مئة حَدِيْث فقلبوا أسانيدها، وجعلوا أسانيد هَذِهِ لمتون تِلْكَ، ثُمَّ دفعوها إلى عشرة رجال لكل رجل عشرة أحاديث، فلما جاء البخاري وجلس للإملاء - وَكَانَ المجلس غاصّاً بأصحاب الْحَدِيْث والفقهاء - قام لَهُ رجل من العشرة فسأله عن حَدِيْث من تِلْكَ الأحاديث، فَقَالَ البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر فَقَالَ: لا أعرفه، إلى تمام العشرة، ثُمَّ قام الثاني فالثالث حَتَّى نهاية العشرة، والبخاري لا يزيد عَلَى قوله: لا أعرفه، فكان من حضر المجلس من الفهماء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهم. ومن كَانَ مِنْهُمْ غَيْر ذَلِكَ يقضي عَلَى البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.

فلما علم أنَّهم فرغوا التفت إلى الأول مِنْهُمْ فَقَالَ: أما حديثك الأول فهو كَذَا، وحديثك الثاني كَذَا حَتَّى أتم العشرة، ثُمَّ أقبل عَلَى الثاني فالثالث، ورد المتون كلها إلى أسانيدها، والأسانيد إلى متونها، فأقرّ لَهُ الناس بالحفظ وأذعنوا لَهُ بالفضل (١).


(١) انظر القصة في: أسامي من روى عَنْهُم البخاري من مشايخه لابن عدي ورقة ٢ أ و ٥٢ وما بعدها من مطبوعة د. عامر حسن صبري، و" تاريخ بغداد " ٢/ ١٢٠ وفي ط. الغرب ٢/ ٣٤٠ - ٣٤١، و " جذوة المقتبس ": ١٣٨ - ١٣٩، و " التجريح والتعديل " ١/ ٣٠٨، و" شرح التبصرة والتذكرة " ١/ ٣٢١ بتحقيقي، و" النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلَاحِ " ٢/ ٨٦٧ و:٦٢٠ - ٦٢١ بتحقيقي، و" هدي الساري ": ٦٧٩، و " المنتظم " ١٢/ ١١٧، و " تغليق التعليق " ٥/ ٤١٤ - ٤١٥، و" فتح المغيث " ١/ ٢٩٩ ط. العلمية و ٢/ ١٣٥ - ١٣٦ ط. الخضير، و" تدريب الرَّاوِي " ١/ ٢٩٣، و" توضيح الأفكار " ٢/ ١٠٤.
وهذه القصة صدّرها ابن عدي بقوله: «سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد … » قال السخاوي في " فتح المغيث " ١/ ٢٩٩ ط. العلمية و ٢/ ١٣٦ ط. الخضير: «ولا يضر جهالة شيوخ ابن عدي فيها، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم».
وحصل للبخاري نحو هَذَا الامتحان في البصرة وسمرقند. انظر: " البداية والنهاية " ١٤/ ٥٢٨ - ٥٢٩، و" طبقات الشافعية الكبرى " ٢/ ٩، و" هدي الساري ": ٦٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>