ولقائل أنْ يقول: خرجتم هذا الحديث عن عدد كبير من الصحابة، وفي الكل كان الرفع فيه سمة، فمثل هذا ألا يجعل له أصلاً لا سيما وأنَّ بعض الأسانيد جاءت قوية حيث لا يخشى فيه إلا عنعنة مدلس أو راوٍ تكلم في حفظه أو غير ذلك مما لا يترك به الحديث؟
فنقول: بل على العكس من ذاك فإنَّ هذا الكلام دليل على ضعف هذا الحديث، وليس دليل قوة له، فانتشار الحديث بين الضعفاء دليل على ضعفه، وكما هو معروف أنَّ هذا الحديث من أحاديث الأحكام، فإذا سلمنا ذلك طلبنا رجالاً في موضع الاحتجاج، كما قال الإمام أحمد:«كنا إذا روينا في الترغيب والترهيب تساهلنا، وإذا روينا في الأحكام أردنا رجالاً هكذا وشبك بين أصابعه»، وكذا قال يحيى بن معين، ولم نرَ المتقدمين صححوا هذا الحديث، إذن فعزوف المتقدمين عن تصحيح هذا الحديث دليل على نكارته، أما من حيث الأصل فلا شك أنَّ له أصلاً من حيث عدد الأسانيد التي روي بها، وكونه له أصل لا يعني صحته مرفوعاً، فقد يصح موقوفاً، ثم إنَّ هذا الأصل يبقى ضعيفاً لعدم جودة حفظ رجاله، وللاضطرابات الواقعة في الأسانيد، وكما تقدم فإنَّ الدارقطنيَّ ﵀، وكلما قدم إسناداً لصحابي أعله بعلة ما، حتى أتى على جميع الأسانيد المسندة، وقد تتبعتها جميعاً عنده فلم أجده يقوي ولا إسناداً موصولاً، وهذا قد يفضي إلى عدم صحة أحاديث الباب بالكامل، إلا أنَّ الذي تقدم لا يمنعنا من القول بصحة إسنادين موقوفين عن ابن عمر وأبي موسى، والله أعلم.