قلت: ومذهبنا في مثل هذا الاختلاف قبول كلتا الروايتين، أعني:
سواء أكان الحديث عن أبي مسعود أم عن بشير بن أبي مسعود، وذلك أنَّ الاختلاف إذا كان بين راويين وكلاهما ثقة؛ قبلت رواية الجميع إذا خلا ذلك الحديث من قرائن الرد، إلا أنَّ الحديث بهذا الطريق معلول لغير هذا السبب.
وأما العلة الثانية: فإنَّ أيوب خالف يحيى بن سعيد في روايته، فأضاف عروة بن الزبير إلى الإسناد، والصواب من دونه؛ إذ لو كان عروة موجوداً في إسناد أبي بكر لكان يحيى بن سعيد أولى بحفظه من أيوب، لا سيما وأنَّ أيوب ضعيف، فقد نقل المزي في " تهذيب الكمال " ١/ ٣٢٠ (٦١٠) عن علي بن المديني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وعمرو بن علي، ومحمد بن عبد الله ابن عمار الموصلي، ومسلم بن الحجاج أنهم قالوا فيه:«ضعيف»، وعن البخاري قوله فيه:«هو عندهم لين»، وعن النَّسائي:«مضطرب الحديث». وضعف حال أيوب هو العلة الثالثة في هذا الطريق.
وعلى ما قدمناه من حال أيوب بن عتبة، فإنَّه متفرد برواية الحديث بهذا الإسناد، وقد تقدم ما ينص على ذلك في كلام الذهلي، فهذه علته الرابعة.
قلت: وملخص ما تقدم أنَّ الحديث يدور في طريقين: الأول: طريق يحيى بن سعيد وهو منقطع، والآخر: ضعيف لا يعول عليه، وحتى لو ثبت هذا الحديث لأبي بكر فإنَّ رواية الزهري لا شك تدفع قبوله.
وقد تعلّق بعض من تَأبّط العلم بدعوى أنَّ رواية الزهري مُختصَرة ورواية أبي بكر مبيِّنة مفصِّلة لرواية الزهري، ولكن هل تصح مثل هذه الدعوى؟ إذ لو كانت رواية الزهري مختصرة لجاءت أيضاً، ولو في بعض من الروايات مطولة، وأما أنْ يحصل الإطباق على رواية هذا الحديث برواية مختصرة فهذا مما يدفع النفس عن قبول رواية أبي بكر - على علو قدره في هذا الفن -، فضلاً عن ضعف الطريق الثاني إلى أبي بكر.
وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى، فقد رواه ابن أبي ذئب عن الزهري.
أخرجه: ابن عبد البر في " التمهيد " ٣/ ٣٥٦ - ٣٥٧ عنه، عن ابن