للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن جريج، عن زياد بن سعد (١)،

عن الزهري، عن أنس، أنَّ النَّبِيَّ اتخذ خاتماً من وَرِقٍ ثُمَّ ألقاه، والوهم فِيْهِ من همام، وَلَمْ يروه إلا همام» (٢). وقَالَ النسائي عقب تخريجه: «هَذَا حَدِيْث غَيْر محفوظ» (٣)، في حين قال أبو الطيب: «قال موسى بن هارون: لا أدفع أنْ يكونا حديثين، ومال ابن حبان إليه فصححهما معاً، ويشهد له أنَّ ابن سعد أخرج بهذا السند: أنَّ أنساً نقش في خاتمه محمد رسول الله، فكان إذا أراد الخلاء وضعه، لا سيما وهمام لم ينفرد بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل، عن ابن جريج» (٤). أقول: الاستدلال بالموقوفات والمقاطيع لتقوية المرفوعات ليس من صنيع أهل الحديث بل إنَّ الموقوف يكون علة للمرفوع.

وناقش الحافظ أحكام المصححين والمضعفين بما لا مزيد عليه فقال: «وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة مع أنَّ رجاله من رجال الصحيح، والجواب: إنَّ أبا داود حكم عليه بكونه منكراً؛ لأنَّ هماماً تفرد به عن ابن جريج، وهما وإنْ كانا من رجال الصحيح، فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام، عن ابن جريج شيئاً؛ لأنَّ أخذه عنه كان لما كان ابن جريج بالبصرة، والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله، والخلل في هذا الحديث من جهة أنَّ ابن جريج دلسه عن الزهري، بإسقاط الواسطة، وهو زياد بن سعد، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره، وهذا وجه حكمه عليه بكونه منكراً، وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب فإنَّه شاذ في الحقيقة (٥) ..


(١) هُوَ: ابن عَبْد الرحمان الخراساني ثُمَّ المكي: ثقة ثبت، قَالَ عَنْهُ ابن عيينة: كَانَ زياد بن سعد أثبت أصحاب الزهري.

انظر: " تهذيب الكمال " ٣/ ٥٠ (٢٠٣٣)، و" سير أعلام النبلاء " ٦/ ٣٢٣، و" التقريب " (٢٠٨٠).
(٢) " سنن أبي داود " عقب (١٩).
(٣) " السنن الكبرى " عقب (٩٥٤٢) ط. العلمية و (٩٤٧٠) ط. الرسالة.
(٤) " عون المعبود " ١/ ٣٦.
(٥) وهذا من ابن حجر محاكمة للمتقدمين بمصطلحات المتأخرين، وهو مسلك غير صحيح، فالمنكر وغير المحفوظ هما واحد عند المتقدمين، وهو ما حصل فيه خطأ، ومثل هذا هو الذي جعلنا نفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، حتى لا نرد على المتقدمين بمصطلحات المتأخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>