للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطاووس، عن ابن عباس . فكأنه سلك الجادة (١) في ذلك، ووهم في المتن حيث قال: «بسم الله وبالله … »، وهذه العبارة لم يقلْها الرواة، وقد تعاقب العلماء على تضعيف رواية أيمن، وترجيح رواية الليث، فقد نقل ابن حجر في "التلخيص الحبير" ١/ ٦٣٧ (٤١١) عن يعقوب بن شيبة أنَّه قال: «فيه ضعف»، وقال الترمذي في "العلل الكبير": ٢٢٨ (٥٨): «فسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو غير محفوظ، هكذا يقول أيمن بن نابل: عن أبي الزبير، عن جابر، وهو خطأ، والصحيح ما رواه الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وطاووس، عن ابن عباس، وهكذا رواه عبد الرحمان بن حميد الرؤاسي، عن أبي الزبير مثل رواية الليث بن سعد» وقال مسلم في "التمييز" عقب (٥٩): «فقد اتفق الليث وعبد الرحمان بن حميد الرؤاسي، عن أبي الزبير، عن طاووس، وروى الليث فقال: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وكل واحد من هذين عند أهل الحديث أثبت في الرواية من أيمن (٢)، ولم يذكر الليث في روايته حين وصف التشهد: بسم الله وبالله، فلما بَانَ الوهمُ في حفظ أيمن لإسناد الحديث بخلاف الليث وعبد الرحمان إياه دخل الوهم أيضاً في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه، وقد رُوي التشهد عن رسول الله من أوجه عدة صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله: «بسم الله وبالله»، ولا ما زاد في آخره من قوله: «أسألُ اللهَ الجنَّة، وأعوذُ باللهِ من النارِ»، والزيادة في الأخبار لا يلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم». وقال الترمذي عقب (٢٩٠): «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب، وقد روى عبد الرحمان بن حميد الرؤاسي هذا الحديث عن أبي الزبير، نحو حديث الليث، وروى أيمن بن نابل المكي هذا الحديث، عن أبي الزبير، عن جابر وهو غير محفوظ»، وقال النسائي ٣/ ٤٣: «لا نعلم أحداً تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به (٣)، والحديث خطأ وبالله التوفيق»، ونقل ابن حجر في "التلخيص الحبير" ١/ ٦٣٧ (٤١١) عن حمزة الكناني أنَّه قال: «قوله: عن جابر، خطأ، لا أعلم أحداً قال في التشهد: «بسم الله وبالله» إلا أيمن». ونقل المزي في "تهذيب


(١) سلوك الجادة تعبيرٌ استعمله جهابذة النقد عند إعلالهم لبعض الأحاديث، حينما تكون هناك سلسلة إسناد معروفة مشهورة، فتسبق الألسنة إليها وهماً أحياناً لبعض مَنْ في حفظهم شيء. ظناً منهم أنَّ هذا الحديث جاء على الجادة في هذا الإسناد، أما الحفاظ المتقنون فيبقون على الصواب، ويندر أن يقعوا في مثل ذلك؛ إذن فخطأ أيمن هنا لسلوكه الجادة في هذا السند المشهور (أبو الزبير عن جابر) لتعلقه بذهن الرواة. والله أعلم.
(٢) هذا نظر عميق من الإمام مسلم؛ إذ إنَّ الراوي حينما يخطئ في شيء من الحديث سنداً أو متناً، فهو لم يضبط الحديث، وربما يخطئ في شيء آخر من الحديث. وإذا ثبت في الراوي أنه أخطأ مرة فهو قد يخطئ في الشيء بعد الشيء. وقد مر بنا غير قليل رواة أخطئوا في السند ثم أخطئوا في ذاك المتن، وهذه تفاصيل تدرك بالمباشرة، والله ولي التوفيق.
(٣) وانظر: " منهج النسائي في الجرح والتعديل " ١/ ٣٢٢ (١٧٩) وما بعدها مع تعليق مؤلف الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>