للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو من ألفاظ الجرح ويقصد به الحكم على الراوي، فما هو الترابط بينهما. قال الذهبي: «قولنا في الرجل منكر الحديث لا نعني به أنَّ كل ما رواه منكر، فإذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير، فهو منكر الحديث» (١) وقال أيضاً: «ما كل من روى المناكير يضعف» (٢)، ونقل السخاوي عن ابن دقيق العيد قوله: «قولهم: روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أنْ يقال فيه: منكر الحديث؛ لأنَّ منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه» (٣)، ونقل عن العراقي أيضاً قوله: «وكثيراً ما يطلقون المنكر على الراوي؛ لكونه روى حديثاً واحداً» (٤). فلا يظن من قولهم: هذا حديث منكر أنَّ راويه غير ثقة؛ لما علمت من مرادهم في إطلاق هذه اللفظة على الأحاديث التي يكون فيها خطأ أو وهم، أو ينفرد بها الثقات.

قال عبد الرحمان بن مهدي سألت شعبة: من الذي تترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يعرف، أو أكثر الغلط (٥)، والذي يرادف الغير معروف هو: المنكر فالراوي إذا لم يكثر من المناكير لا يترك، أما إكثاره من المناكير فيوجب رد حديثه وتركه.

وكذلك قولهم: فلان روى مناكير، أو حديثه هذا منكر، ونحو ذلك، لا يعنون أنَّه ضعيف، كقول الإمام أحمد في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي أحاديث منكرة، وهو ممن اتفق عليه الشيخان، ويكفي في ذلك حديثه: «إنَّما الأعمالُ بالنياتِ» (٦) الذي اتفقت الأمة على قبوله، ويتبين مما سبق وجه الخلاف بين اللفظتين من جهة، وترابطهما من جهة أخرى، فوجه الخلاف أنَّ


(١) " تاريخ الإسلام ": ٢٥٠ وفيات (١٩٠ هـ).
(٢) " ميزان الاعتدال " ١/ ١١٨ (٤٦٤).
(٣) " فتح المغيث " ١/ ٤٠١ ط. العلمية و ٢/ ٢٩٦ ط. الخضير.
(٤) " فتح المغيث " ١/ ٤٠١ ط. العلمية و ٢/ ٢٩٦ ط. الخضير.
(٥) انظر: " المجروحين " ١/ ٧٧، و" سير أعلام النبلاء " ٧/ ٢٢٢.
(٦) أخرجه: البخاري ١/ ٢ (١)، ومسلم ٦/ ٤٨ (١٩٠٧) (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>