للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من سهّل أمره وتسمّح فِيْهِ كثيراً، قَالَ أبو بكر البزار: «التدليس ليس بكذب، وإنَّما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد» (١).

وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنَّه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنَّما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ فَقَالَ: «ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه، ولا النصيحة في الصدق،

فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق» (٢).

ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى «المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير» (٣).

وإذا تقرر هَذَا، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ؟ للعلماء فِيْهِ خمسة مذاهب:

الأول: لا تقبل رِوَايَة المدلِّس، سواء صرّح بالسماع أم لم يصرّح، حكاه ابن الصَّلَاحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه، وهذا مبنيُّ عَلَى القَوْل بأنَّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ. وهذا الَّذِي استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالكٍ القاضي عَبْدُ الوهّاب في " الملخص ".

الثاني: قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسَل، ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية. وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسَل من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ، فإنَّ من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة.

الثالث: إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أنْ يَكُون عن الثقات، فهو مقبول


(١) " نكت الزركشي " ٢/ ٨١.
(٢) " الرسالة " (١٠٣٣) و (١٠٣٤) بتحقيقي.
(٣) " معرفة أنواع علم الحديث ": ١٥٩ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>