للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث أحياناً؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي، ثم اهتم العلماء به من بعد؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ. فعلم العلل له مزية خاصة، فهو كالميزان لبيان الخطأ من الصواب، والصحيح من المعوج، و قد اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً، ولا يزال الباحثون يحققون و ينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني، و أحمد، و البخاري، و الترمذي، و ابن أبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم (١).

وما ذلك إلا لأهمية هذا الفن فـ «التعليل (٢) أمر خفي، لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها» (٣). ولأهميته أيضاً نجد بعض جهابذة العلماء يصرّح بأنَّ معرفة العلل والبحث عنها، مقدم على مجرد الرواية دون سبر ولا تمحيص، يقول عبد الرحمان بن مهدي: «لأَنْ أعرف علة حديث هو عندي، أحب إليَّ من أنْ أكتب حديثاً ليس عندي» (٤).

ويزيد هذا العلم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية، وكان مع ذلك حاد الذهن، ثاقب الفهم، دقيق النظر، واسع المران، قال الحاكم: «إنَّ الصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنَّما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وُجد مثل


(١) انظر ماسيأتي من المصنفات فيه.
(٢) قال البقاعي في " النكت الوفية " ١/ ٥٠٣ بتحقيقي: «صوابه الإعلال».
(٣) " نكت ابن حجر " ٢/ ٧١٤ و: ٤٨٨ بتحقيقي.
(٤) " علل الحديث " لابن أبي حاتم ١/ ٣٨٧ ط. الحميّد (المقدمة)، وقد نقله الحاكم في " معرفة علوم الحديث ": ١١٢ ط. العلمية و (٢٧٠) ط. ابن حزم، و ابن رجب في "شرح العلل " ١/ ١٩٩ ط. عتر و ١/ ٤٧٠ ط. همام.

<<  <  ج: ص:  >  >>