للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ربما (١) أدركت علة حديث بعد أربعين سنة» (٢).

بل ربما يكشف العالم ما خفي على من هو أعلم منه، كالدارقطني، وأبي علي الجياني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي الحسن بن القطان، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وغيرهم من أئمة هذا الشأن، فقد تعقّبوا البخاري ومسلماً - وهما من هما في الحفظ والإتقان، بل وعلو الكعب في علم العلل عينه - في كثير من أحاديث صحيحيهما وبينوا عللها (٣) … أو قد يخالف ما قاله هو نفسه، كما حصل لأبي حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث ابن صائد أهو عن جابر أم عن ابن مسعود؟ قال: «عبد الله أصح، لو كان عن جابر، كان متصلاً. قلت: كيف كان؟ قال: لأنَّ أبا نضرة قد أدرك جابراً، ولم يدرك ابن مسعود، وابن مسعود قديم الموت. وسألت أبي مرة أخرى عن هذا الحديث. فقال: يحيى القطان ومعتمر وغيرهما، يقولون: عن التيمي، عن أبي نضرة، عن جابر، عن النبيِّ ، وهو أشبه بالصواب» (٤).

وقد يتوقف الناقد في حديث ما؛ لخفاء علته، وفي نفسه حجج للقبول والرد ولكن ليس له حجة، قال السخاوي: «يعني: يعبِّر بها غالباً، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللدفع» (٥)، وقال ابن حجر: «وقد تقصر عبارة المعلل


(١) ربما: هي (رُبّ) دخلت عليها (ما) الزائدة، فكفتها عن الجر، وأزالت اختصاصها بالأسماء، ويكثر دخولها على الجملة الفعلية، وترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً، فليس معناها التقليل دائماً، ولا التكثير دائماً. انظر: " مغني اللبيب " ١/ ١١٨، و " معجم الشوارد النحوية ": ٣١٢.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (١٧٨٩).
(٣) وفي هذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ١/ ١٨٣: «ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنَّه نُوزِع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه .. ». وانظر: " العلة وأجناسها ": ٨٣.
(٤) " علل الحديث " لابن أبي حاتم (٢٧٥٤).
(٥) " فتح المغيث " ١/ ٢٥٥ و ٢/ ٦٧ ط. الخضير، وجاء في ط. العلمية: «للرفع»، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>