للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نشك في صحتها و ثبوتها من جهة أخرى؛ لأنَّ حكمَهم - وإنِ اختلطوا في أواخر أعمارهم وحُمِلَ عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتِهم - حكمُ الثقة إذا أخطأ، أنَّ الواجب ترك خطئه إذا عُلم والاحتجاج بما نعلم أنَّه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذي كان سماعهم منهم قبل الاختلاط سواء» (١).

وقال الحازمي: «أما من زال عقله بأمر طارئ، كالاختلاط وتغيب الذهن فلا يعتد بحديثه، ولكن يلزم الطالب البحث عن وقت اختلاطه، فإن كان لا يمكن الوصول إلى علمه طرح حديثه بالكلية؛ لأنَّ هذا عارض قد طرأ على غير واحدٍ من المتقدمين والحفاظ المشهورين، فإذا تميز له ما سمعه ممن اختلط في حال صحته جاز له الرواية عنه، وصح العمل بها» (٢).

وللسلف نظرات ثاقبة في معرفة الحديث الذي لم يخطئ فيه الراوي من الذي أخطأ فيه، فهم ينتقون من أحاديث المختلطين: فما تبين لهم أنَّه لم يخطئ فيه أخذوه، وما تبين لهم أنَّه أخطأ فيه تركوه، قال وكيع بن الجراح: «كنا ندخل على سعيد (٣)، فنسمع فما كان من صحيح حديثه أخذناه، وما لم يكن صحيحاً طرحناه» (٤).

وقال أبو نعيم: «كتبت عنه بعد ما اختلط حديثين» (٥).

ويبدو أنَّ هذا هو صنيع صاحبي الصحيحين، فقد أخرجا عن بعض المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط، فقد أخرج الإمام البخاري لحصين بن عبد الرحمان السلمي (٦) المختلط بطريق حصين بن نمير (٧)، وأشار


(١) " صحيحه " ١/ ١٦١ (المقدمة).
(٢) " شروط الأئمة الخمسة ": ١٤٦.
(٣) يعني: ابن أبي عروبة، ترجمته في " الجرح والتعديل " ٤/ ٦٤ (٢٧٦)، و " تهذيب التهذيب " ٤/ ٥٦، و التقريب " (٢٣٦٥).
(٤) " تهذيب التهذيب " ٤/ ٥٧.
(٥) " تهذيب التهذيب " ٤/ ٥٧.
(٦) انظر ترجمته في " الكواكب النيرات ": ١٢٦ (١٤)، و" الجرح و التعديل " ٣/ ٢١٣ (٨٥٩)، و" تهذيب التهذيب " ٢/ ٣٥٢، و " هدي الساري ": ٦٠٩.
(٧) " هدي الساري ": ٥٦٦. وقال ابن حجر: «وأما حصين بن نمير فلم يخرج له البخاري من حديثه عنه - يعني: عن حصين بن عبد الرحمان - سوى حديث واحد .. تابعه عليه عنده هشيم ومحمد بن فضيل».

<<  <  ج: ص:  >  >>