للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومراجعة أصوله، حفظاً للسنة النبوية من الخطأ فِيْهَا - بزيادة أَوْ نقص أو تغيير -.

ومع هَذَا كله فإننا لَمْ نعدم في تاريخنا الحديثيِّ بعض الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يبالوا بمروياتهم، وَلَمْ يولوها الاهتمام الكافي، سواء أهمل الرَّاوِي نفسُه تعاهد محفوظاته و مراجعة كتابه، أم تدخل عنصر بالعبث بمروياته (١)، أم غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تكون نتيجته وقوع الوهم في حَدِيْث ذَلِكَ الرَّاوِي، ويؤول في النهاية إلى حدوث الاختلاف مع روايات غيره، عَلَى أنَّ الخطأ والوهم لَمْ يسلم مِنْهُ كبار الحفاظ مع شدة حرصهم وتوقيهم، لذا قَالَ ابن معين (٢): «لست أعجب ممن يحدّث فيخطئ، إنما العجب ممن يحدث فيصيب» (٣). غَيْر أنّ الأحاديث التِيْ حصل فِيْهَا الوهم تعد قليلة مغمورة في بحر ما رووه عَلَى الصواب.

والاختلافات يعود غالبها إلى عدم التيقظ وإلى عدم الدقة والضبط، إضافة إلى العوارض البشرية والنفسية، والعوارض الِتيْ تنتاب الإنسان فتُضعف ضبطه وإتقانه، ويقع في وهم من نسيان أَو غفلة أَو خطأ، وَهِيَ متعددة مِنْهَا ما يَكُوْن في الجسم أو النفس أو المال أَو الولد أَو الصديق. وكل ذَلِكَ لَهُ مؤثرات عَلَى الإنسان في عقله وفكره وحفظه وضبطه.

إنّ وراء وقوع العلة في أحاديث الثقات أسباب كامنة، يكشف عنها جهابذة النقاد بطرائق أسلفنا ذكرها، تتمركز حول جمع الطرق والموازنة بينها، وغايتنا هنا ذكر هذه الأسباب القادحة في حديث الثقة، وهي كثيرة، فيها ما هو متداخل يحتاج إلى الفصل والتفصيل، وفيها ما يندرج تحت عنوان واحد، وفيها ما يستحق الإشارة إليه فقط، وهي كالآتي:


(١) كَمَا حصل لسفيان بن وكيع. انظر: " ميزان الاعتدال " ٢/ ١٧٣ (٣٣٣٤).
(٢) يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح
والتعديل، لَهُ: "التاريخ" و "السؤالات" وغيرهما، ولد سنة (١٥٨ هـ) وتوفي سنة (٢٣٣ هـ).
انظر: " تهذيب الكمال " ٨/ ٨٩ و ٩٥ (٧٥٢١)، و" ميزان الاعتدال " ٤/ ٤١٠ (٩٦٣٦)، و" التقريب " (٧٦٥١).
(٣) تاريخ ابن معين (رِوَايَة الدوري) (٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>