للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمتع هَذَا الجانب من النقد الحديثي باهتمام النقاد، فنراهم يديمون تتبع هَذِهَ الحالة وتقريرها، وأفردوا من أجل ذَلِكَ المصنفات، مِنْهَا: كتاب "التفرد" (١)، للإمام أبي داود، و"الغرائب والأفراد" (٢) للدارقطني، و"المفاريد" (٣) لأبي يعلى، وعني الإمام الطبراني في معجميه "الأوسط" و "الصغير" بذكر الأفراد، وكذا فعل البزار في مسنده، والعقيلي (٤) في ضعفائه. وَهُوَ ليس بالعلم الهيّن، فهو "يحتاج لاتساع الباع في الحفظ، وكثيرًا ما يدعي الحافظ التفرد بحسب علمه، ويطلّع غيره عَلَى المتابع" (٥).

وفي كُلّ الأحوال فإنَّ التفرد بحد ذاته لا يصلح ضابطًا لرد الروايات، حَتَّى في حال تفرد الضعيف لا يحكم على جميع ما تفرد بِهِ بالرد المطلق، بَلْ إنَّ النقاد يستخرجون من أفراده أحيانًا ما يعلمون بالقرائن والمرجحات عدم خطئه فيْهِ، وَهُوَ ما نسميه بعملية الانتقاء، وخيرُ مثال على هذا رواية إمام المحدثين الإمام البخاري عن شيخه إسماعيل بن أبي أوس؛ إذ روى عنه حديثين تفرد بهما، وهما من صحيح حديثه، قال الحافظ ابن حجر: ". . . ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوي حديثين" (٦).

ومثلما أنَّ تفرد الضعيف لا يرد مطلقًا، فكذلك تفرد الثقة لا يقبل عَلَى الإطلاق كما سبق في كلام ابن رجب، وإنَّما القبول والرد موقوف على


(١) هُوَ مفقود وَكَانَ موجوداً في القرن الثامن، والمزي ينقل مِنْهُ كثيراً في " تحفة الأشراف " انظر عَلَى سبيل المثال: ٤/ ٦٣٠ (٦٢٤٩)، و" الرسالة المستطرفة ": ١١٤.
(٢) وَقَدْ طبع ترتيبه لابن طاهر المقدسي في دار الكتب العلمية ببيروت عام ١٩٩٨ م.
(٣) طبع بتحقيق عَبْد الله بن يوسف الجديع في دار الأقصى، الكويت، الطبعة الأولى ١٩٨٥ م.
(٤) هُوَ الحافظ الناقد أبو جعفر مُحَمَّد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي الحجازي صاحب كتاب "الضعفاء الكبير "، توفي سنة (٣٢٢ هـ).
انظر: " سير أعلام النبلاء " ١٥/ ٢٣٦ - ٢٣٨، و" العبر " ٢/ ١٧، و" تذكرة الحفاظ " ٣/ ٨٣٣ - ٨٣٤.
(٥) " نكت الزركشي " ٢/ ١٩٨.
(٦) " هدى الساري ": ٥٥٧، وانظر مثالاً مقارباً في " الكامل " ٧/ ٢٧٤، و" ميزان الإعتدال " ٣/ ٥٥٧ (٧٥٧٤) رواية الثوري عن محمد بن السائب، وانظر قوله هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>