للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنْ يجزم الشيخ بكذب من روى عنه، قال القاضي أبو بكر محمد ابن الطيب: «وإنَّ جحوده للرواية عنه جحود مصمم على تكذيب الراوي عنه وقاطع على أنَّه لم يحدثه ويقول: كذب عليّ فذلك جرح منه له، فيجب أنْ لا يعمل بذلك الحديث وحده من حديث الراوي» (١)، وقال ابن الصلاح: «إذا روى ثقة عن ثقةٍ حديثاً ورُوجع المروي عنه فنفاه، فالمختارُ: أنَّه إنْ كان جازماً بنفيه بأنْ قال: ما رويته، أو كذب عليّ، أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان، والجاحد هو الأصل، فوجب رد حديث فرعه ذلك» (٢)، وقال السخاوي: «ومن روى من الثقات عن شيخ ثقة أيضاً حديثاً فكذبه المروي عنه صريحاً، كقوله: كذب عليّ فقد تعارضا في قولهما كالبينتين إذا تكاذبتا فإنَّهما يتعارضان؛ إذ الشيخ قطع بكذب الراوي، والراوي قطع بالنقل، لكل منهما جهة ترجيح، أمّا الراوي فلكونه مثبتاً، وأما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به في أمرٍ يقرب من المحصور غالباً» (٣).

تقدم في مباحث سابقة أنَّ وصف الراوي بالكذب من أغلظ الجرح وأشنع الأوصاف فإذا أنكر الشيخ هذا الحديث بصيغة الجزم بأنْ قال كذب، هل يعد هذا القول دليلاً على سقوط مرويات المنكر عليه؟ وهل يعد قول الشيخ جرحاً في روايات ذلك التلميذ فنقول: هذا السؤال أجاب عنه القاضي أبو بكر محمد بن الطيب فقال: «ولا يكون هذا الإنكار جرحاً يبطل جميع ما يرويه الراوي؛ لأنَّه جرح غير ثابت بالواحد، ولأنَّ الراوي العدل أيضاً يجرح شيخه، ويقول: قد كذب في تكذيبه لي، وهو يعلم أنَّه قد حدثني» (٤)، وقال ابن جماعة: «إذا كذب أصل فرعه في رواية خبر عنه أو جزم بنفيه سقط ذلك الخبر ولا يقدح ذلك في عدالتهما وباقي رواياتهما .. » (٥)، وقال ابن الصلاح: « .. ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه؛ لأنَّه مكذب


(١) نقله الخطيب في " الكفاية ": ١٦٩ - ١٧٠.
(٢) " معرفة أنواع علم الحديث ": ٢٣٣ بتحقيقي.
(٣) " فتح المغيث " ١/ ٣٦٩ - ٣٧٠ ط. العلمية ٢/ ٢٤٢ ط. الخضير.
(٤) " الكفاية ": ١٦٩ - ١٧٠.
(٥) " المنهل الروي ": ٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>