للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَيّنا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهما، وَإِنْ كَتَما وَكَذبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما». واعترض المالكية بأنَّ هذا الحديث مخالف لعمل أهل المدينة.

وَهُوَ خبر آحاد فَلَا يقوى عَلَى مخالفة عملهم (١). نقل ابن رجب قول طائفة من السلف: «إذا اختلفت الأحاديث، فانظروا ما كان عليه أبو بكر وعمر، يعني أنَّ ما عملا به فهو الذي استقرّ عليه أمر النبي » (٢).

ونستطيع أن نرد قَوْل المالكية هَذَا، من ثلاثة وجوه هِيَ:

١ - أنَّ اشتراط المالكية للعمل بخبر الآحاد: أن لا يَكُوْن مخالفاً لعمل أهل المدينة، شرط تفردوا بِهِ، فيكون لازماً لَهُمْ ولا يلزم غيرهم.

٢ - عَلَى فرض التسليم - جدلاً - بكون هَذَا الَّذِي اشترطوه شرطاً للعمل بخبر الآحاد، فما اشترطوه غَيْر متحقق في هَذِهِ المسألة، فإنَّهم نصوا عَلَى أنَّ إجماع أهل المدينة إذا عارضه خبر آحاد، قدم الإجماع.

ودعوى إجماع أهل المدينة هنا منقوضة، فقد ثبت القول بخيار المجلس عن: عمر وعثمان وابن عمر وأبي هُرَيْرَةَ وسعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب والدراوردي (٣)، وهؤلاء جميعاً من أهل المدينة، فكيف تصح دعوى إجماعهم؟

حَتَّى إنَّ ابن أبي ذئب لما قِيْلَ لَهُ: إنَّ مالكاً لا يعمل بهذا الْحَدِيْث قَالَ:

«هَذَا خبرٌ مَوطو في المدينة» (٤)، يريد أنَّهُ منتشر.

٣ - إذا أمعنا في التنزل معهم، والتسليم بأن هَذَا الشرط الَّذِي اشترطوه صَحِيْح، وأن إجماع أهل المدينة متحقق، فإنه يخدش استدلالهم عدم كون الْحَدِيْث آحادياً، وكيف يَكُوْن خبر آحاد وَقَدْ رَوَاهُ من الصَّحَابَة عدد غفير، وقفنا عَلَى رِوَايَة سبعة مِنْهُمْ، هم:

أ. سمرة بن جندب: وحديثه أخرجه: أحمد (٥)، وابن ماجه (٦)،


(١) انظر: "طرح التثريب " ٦/ ١٤٨.
(٢) " فتح الباري " ٧/ ٣٢.
(٣) انظر: " الحاوي الكبير " ٦/ ٣٤، و" الاستذكار " ٥/ ٤٨٧، و" المغني " ٤/ ٦.
(٤) " الجامع في العلل " ١/ ١٩٨ (١١٩٣).
(٥) في " مسنده " ٥/ ١٢ و ١٧ و ٢١ و ٢٢.
(٦) في " سننه " (٢١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>