للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكننا ننبه -وقد سبق ذلك- إلى أن هناك كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، فالكفر كفران، كفر أصغر وكفر أكبر، والنفاق نفاقان أيضًا، نفاق أصغر ونفاق أكبر.

وبالتالي فإننا نخرج بعد كل هذه الردود باستخلاص قاعدتين هامتين وهما:

القاعدة الأولى: أن شعب الإيمان ليست متلازمة في الانتفاء (١):

وهذه القاعدة فيها رد على المعتزلة والخوارج، الذين يزعمون أن شعب الإيمان متلازمة تمامًا في الانتفاء، بمعنى إذا انتفت بعضها وزالت، انتفى بعضها الآخر، وزال.

ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فإن من شعب الإيمان إذا انتفت انتفت بقية الشعب، وبالتالي ينتفي الإيمان كله.

القاعدة الثانية: أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف.

فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمحبة لله ورسوله أوجب ذلك بغض أعداء الله ورسوله، كما قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}.

فهذا تلازم بين شعب الإيمان عبد القوة.

وأما عدم التلازم عند الضعف، فقد يحصل للرجل بعض مودة لأعداء الله بسبب رحم أو حاجة أو غير ذلك، فلا يكفر به، ويكون ذلك منه ذنبًا ينقص به إيمانه، كما وقع لحاطب بن أبي بلتعة حين كاتب المشركين ببعض أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (٢).


(١) المصدر السابق (٣٩١ - ٣٩٨).
(٢) المصدر السابق (٤٠٢).

<<  <   >  >>