للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الله أراد الأمرين جميعًا، فإن جاز أن يكون أحدهما مؤمنًا إذا ترك الآخر، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل به ولم يقر مؤمنًا. ." (١).

ويعقب المصنف رحمه الله على مناظرة الإمامين بقوله: "قلت: أحمد وأبو ثور وغيرهما من الأئمة كانوا قد عرفوا أصل قول المرجئة، وهو أن الإيمان لا يذهب بعضه ويبقى بعضه، فلا يكون إلا شيئًا واحدًا، فلا يكون ذا عدد اثنين أو ثلاثة، فإنه إذا كان له عدد، أمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه. . فلهذا صاروا يناظرونهم بما يدل على أنه ليس شيئًا واحدًا. ." (٢).

ثانيًا: تقرير شبهتهم في الإيمان:

بذكر المصنف أن من خالف في مسمى الإيمان يقولون: إن الحقيقة المركبة المكونة من أجزاء، تزول إذا زالت بعض أجزائها، ومثلوا لذلك بالرقم عشرة، ومركب السكنجبين، وغيرهما من المركبات (٣).

فالعشرة إذا زال بعضها، لم تبق عشرة، فإذا زال منها واحد مثلًا، صارت تسعة، ولم تعد عشرة، والسكنجبين الذي يتكون من خل وعسل، إذا زال أحدهما، لم يبق سكنجبينًا؛ بل يصير إما خلاً أو عسلاً (٤).

وبناء على هذا الأساس؛ فالإيمان إذا كان مركبًا من أقوال وأعمال، ظاهرة وباطنة، فإنه يزول إذا زالت بعض هذه الأقوال والأعمال.

وهذا مأخذ كل من الخوارج والمعتزلة.

وأما الجهمية والمرجئة فمأخذهم: أنه إذا كان الإيمان مركبًا من أقوال وأعمال -ومرتكب الكبيرة خارج عنه، كما تقوله الخوارج والمعتزلة، وهو قول فاسد- فإنه يلزم أن يكون الرجل مؤمنًا بما فيه من


(١) المصدر السابق (٣٠٤)، وكلام أبي ثور رحمه الله في "شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة" (٤/ ٨٤٩).
(٢) المصدر نفسه (٣٠٨).
(٣) مثل مركب ملح الطعام، المعروف في الكيمياء بكلوريد الصوديوم، فهو مركب من عنصري الكلور والصوديوم.
(٤) شرح حديث جبريل (٣٨٥).

<<  <   >  >>