للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد فهم علماء السلف الصالح رضوان الله عليهم شبهات المخالفين في الإيمان من قبل، وعرفوا أصولهم الفاسدة، وعلموا أن الإيمان عندهم شيء واحد، لا أكثر، لا يتجزأ، إما أن يذهب كله، وإما أن يبقى كله.

ومن أجل ذلك فقد كانت مناظراتهم مع المرجئة -على سبيل المثال- تنصب محطمة هذه الأصول الفاسدة، وكاشفة لهذه الشبهات الباطلة.

يذكر المصنف -رحمه الله- أن الإمام أحمد قد بعث بجواب إلى أبي عبد الرحيم الجوزجاني في خرسان يتضمن ردوداً على المرجئة، ومن هذه الردود:

"وأما من زعم أن الإيمان الإقرار، فما يقول في المعرفة؟ هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقاً بما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار، فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم أنه يحتاج أن يكون مقراً ومصدقاً بما عرف، فهو من ثلاثة أشياء، وإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق، فقد قال قولاً عظيماً ولا أحسب أحداً يدفع المعرفة والتصديق، وكذلك العمل مع هذه الأشياء" (١).

كما ينقل عن الإمام أبي ثور -رحمه الله- قوله في رده على المرجئة: "فأما الطائفة التي ذهبت إلى أن العمل ليس من الإيمان، فيقال لهم: ماذا أراد الله من العباد إذ قال لهم: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، الإقرار بذلك أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل، فقد كفرت، وإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا كان أراد منهم الأمرين جميعاً، لم زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعاً؟ أرأيتم لو أن رجلًا قال: أعمل جميع ما أمر به الله ولا أقر به، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا، قيل لهم: فإن قال أقر بجميع ما أمر الله به، ولا أعمل به، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم، قيل: ما الفرق؟ فقد زعمتم


(١) ذكرها المصنف -رحمه الله- في كتاب "الإيمان" (٣٠٧)، وذكر أن الخلال رواها في كتاب "السنة"، ولم أجدها في المطبوع منه.

<<  <   >  >>