للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجعلون (١) النبوة كلها من جنس ما يحصل لبعض الصالحين من الكشف والتأثير والتخييل (٢)، فيجعلون خاصة النبي ثلاثة أشياء:

قوة الحدس الصائب التي يسمونها القوة القدسية.

وقوة التأثير في العالم بنفسه (٣).

وقوة الحس التي بها يسمع ويبصر المعقولات متخيلة في نفسه (٤).

[[طلب بعض غلاة الصوفية النبوة، واعتقادهم أنها بالاكتساب]]

فكلام الله عندهم هو ما في نفسه من الأصوات، وملائكته هي ما في أنفسهم من الصور والأنوار، وهذه الخصال تحصل لغالب أهل الرياضة والصفاء. فلهذا كانت النبوة عندهم مكتسبة (٥).


= الأضواء إلا على مثل هؤلاء الذي طفحت مؤلفاتهم بالإلحاد، وفاحت منها رائحة الزندقة والفساد، وتناسوا -وجهلنا نحن- عشرات من علماء المسلمين الذي أثروا العلوم التجريبية، وقامت على مؤلفاتهم وجهودهم حضارة المسلمين التي استفاد منها الغرب في نهضته الحديثة، دون أن ينجرفوا مع الفلسفات الهدامة، أو يتخلوا عن تعاليم دينهم، ويتجاهلون عن عمد أن هؤلاء الفلاسفة إنما تعلموا العلوم التجريبية وبرعوا فيها تحت ظل الحضارة الإسلامية، ورعاية دولها، فالفضل لحضارتنا ودولنا لا لهم، فمتى يأتي اليوم الذي تبعث فيه أسماء هؤلاء الرجال الأفذاذ، ونسلط الأضواء على جهودهم ومنجزاتهم، وتعرف الأمة بعض من ساهم في بناء مجدها الغابر، وإن كانت هناك محاولات في هذا المجال، إلا أنها تبقى محدودة الأثر.
توفي ابن سينا سنة ٤٢٨ هـ بهمذان، تهافت الفلاسفة (٣٠٦)، الكامل في التاريخ (٩/ ٤٥٦)، وفيات الأعيان (٢/ ١٥٧)، الرد على المنطقيين (١٤٣)، ميزان الاعتدال (١/ ٥٣٩)، سير أعلام النبلاء (١٧/ ٥٣١)، البداية والنهاية (١٢/ ٤٢)، لسان الميزان (٢/ ٢٩١)، شذرات الذهب (٥/ ١٣٢).
(١) في (ط): "فيجعلون".
(٢) في (م) و (ط): "التخيل".
(٣) كلمة "بنفسه" ليست في (م) و (ط).
(٤) الإشارات لابن سينا (٢/ ٣٦٨)، الشفاء لابن سينا (٢٤٢)، مجموع الفتاوى (٥/ ٣٥٦).
(٥) ويقول كما في موضع آخر: "يجعلون النبوة فيضًا من العقل الفعال على نفس النبي، ويجعلون ما يقع في نفسه من الصور هي ملائكة الله، وما يسمعه في نفسه من الأصوات هو كلام الله، ولهذا يجعلون النبوة مكتسبة، فإذا استعد الإنسان بالرياضة والتصفية فاض عليه ما فاض على نفوس الأنبياء" مجموع الفتاوى (٥/ ٣٥٣)، ويقول في موضع آخر: (فيجعلون ما يراه الأنبياء من الملائكة ويسمعونه منهم إنما وجوده في أنفسهم لا في الخارج" المصدر نفسه (٥/ ٣٥٦).

<<  <   >  >>