للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أين التواتر الموجود عن العرب أنهم كانوا لا يعرفون للإيمان معنى غير التصديق؟ فإن دون ذلك خرط القتاد.

ثم إن هؤلاء لم يذكروا شاهدًا من كلام العرب على أن الإيمان في اللغة هو التصديق بالإجماع، ولم يذكروا إلا كلامًا -هو حجة عليهم وليس لهم-كقولهم: فلان يؤمن بالشفاعة، ويؤمن بالجنة والنار، ويؤمن بعذاب القبر.

وليس معنى ذلك هو التصديق المجرد بهذه الغيبيات، بل المقصود أنه يؤمن بالجنة ويرجوها، ويؤمن بالنار ويخافها، أما من صدق بها، ولم يخف أو يرجو، فلا يسمى مؤمنًا بها (١).

الرد التفصيلي على من قال: إن الإيمان هو التصديق:

تقوم ردود شيخ الإسلام في غالبها، على الإحاطة بفهم حجج الخصوم، واستقصاء أدلهم، وهو في أكثر الأحيان يستخدم الأدلة الإلزامية التي تلزم الخصوم، وتضعهم في أضيق المواقف، ويقوم رد شيخ الإسلام في القضية التي نحن بصددها على مقامين، المقام الأول يقوم على إبطال أن الإيمان في اللغة هو التصديق، ويعتمد هذا المقام على عدة فروق في اللفظ والمعنى، وأما المقام الثاني فيقوم على أننا لو سلمنا جدلاً، أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فلا حجة فيه لمن جعله في الشرع كذلك، والآن نأتي إلى التفصيل:

المقام الأول: إبطال القول بأن الإيمان هو التصديق:

يذهب شيخ الإسلام إلى أن الإيمان يفارق التصديق في اللفظ والمعنى، ونأتي الآن إلى توضيح ذلك:

أولًا: الفرق بين الإيمان والتصديق في اللفظ يكون من ناحيتين:

الأولى: فإنك تقول لمن أخبرك بخبر: صدقته، فيتعدى الفعل بنفسه


(١) المصدر السابق (١٠٢).

<<  <   >  >>