للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الآية [الإسراء: ١٨].

[الإخلاص في العلم تعلمًا وتعليمًا]

وقد روى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله، ولم يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من عرض الدنيا، لم يجد عرف (١) الجنة يوم القيامة"، رواه بأسانيد صحيحة (٢).


(١) عرف الجنة يعني: ريحها، قال في القاموس المحيط (١٠٨٠): "والعرف الريح طيبة أو منتنة، وأكثر استعماله في الطيبة".
(٢) رواه أبو داود برقم (٣٦٦٤) كتاب العلم، وابن ماجه برقم (٢٥٢) في المقدمة، وأحمد برقم (٨٢٥٢)، وابن حبان في صحيحه وصححه، وقال محققه: "حديث صحيح"، وأبو يعلى في مسنده (١١/ ٢٦٠) وقال محققه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (١/ ٥٨)، وقال: "هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٥/ ٣٤٦)، وكلهم من طريق فليح بن سليمان الخزاعي عن ابن طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة.
قلت: فليح بن سليمان من رجال الشيخين، أكثر عنه البخاري، وأما مسلم فما روى له غير حديث الإفك، وفليح هذا تكلم فيه أهل الجرح والتعديل، قال عنه ابن معين: "ليس بالقوي، ولا يحتج بحديثه"، وكان يقشعر منه يحيى إذا ذكر عنده -كما نقلوا ذلك عنه، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وقال النسائي: "ضعيف"، وقال في موضع آخر: "ليس بالقوي"، وقال أبو داود: "لا يحتج بفليح"، وذكره العقيلي في الضعفاء، وكذلك صنع ابن عدي في الكامل غير أنه أنصف حين قال: "ولفليح أحاديث صالحة يرويها. . . وقد اعتمده البخاري في صحيحه، وروى عنه الكثير، وهو عندي لا بأس به"، وقال الحافظ عقب ذلك: "لم يعتد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المناقب، وبعضها في الرقاق"، وقال الدارقطني: "يختلفون فيه، وليس به بأس"، وقال الساجي: "من أهل الصدق وبهم"، وقال الحاكم أبو عبد الله: "اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره"، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق كثير الخطأ".
قلت: ما قاله الحاكم وجيه، واتفاق الشيخين عليه -خصوصًا الإمام البخاري، بل وأصحاب السنن- يرفع منزلته في الرواية ولا شك، غير أن من منهج الشيخين في الصحيحين، كما هو معلوم- أنهما ينتقيان في كثير من الأحيان لبعض الرواة =

<<  <   >  >>