للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موجب الباطن ومقتضاه لزم أن يكون (١) زيادته لزيادة الباطن، فيكون دليلًا على زيادة الإيمان الباطن ونقصه (٢)، ولنقص الباطن، فيكون نقصه دليلًا على نقص الباطن، وهو المطلوب.

وهذه الأمور كلها إذا تدبرها المؤمن بعقله، تبين له أن مذهب السلف هو المذهب الحق الذي لا عدول عنه، وأن من خالفهم لزمه فساد معلوم بصريح المعقول، وصحيح المنقول كسائر ما يلزم الأقوال المخالفة لأقوال السلف والأئمة والله أعلم.

[[فصل] [مشابهة الجهمية للفلاسفة معنى السعادة عند الفلاسفة]]

وقول جهم ومن وافقه أن الإيمان مجرد العلم والتصديق، وهو بذلك وحده مستحق (٣) الثواب والسعادة، يشبه قول من قال من الفلاسفة المشائين وأتباعهم (٤): إن سعادة الإنسان في مجرد أن يعلم الوجود على ما هو عليه (٥)، كما أن قول الجهمية وهؤلاء الفلاسفة في مسائل "الأسماء والصفات" و "مسائل الجبر والقدر" متقاربان، وكذلك في مسائل الإيمان، وقد بسطنا الكلام على ذلك وبينا بعض ما فيه من الفساد في غير هذا الموضع (٦)، مثل أن العلم هو أحد قوتي النفس، فإن النفس لها قوتان:


(١) في (ط): "تكون".
(٢) كلمة "نقصه" ليست في (م) و (ط).
(٣) في (ط): "يستحق".
(٤) يقصد المؤلف بالفلاسفة المشائين أرسطو وأتباعه، وسموا بالمشائين لأن أرسطو كان من عادته أن يلقي الدروس على تلاميذه وهو يتمشى، وهم يمشون خلفه، وأراد باتباعهم الذين اتبعوهم من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام كالفارابي وابن سينا، مجموع الفتاوى (٥/ ٩)، تاريخ الفلسفة اليونانية لأحمد أمين (١١٣).
(٥) أحوال النفس لابن سينا (١١٣)، الشفا لابن سينا (٢/ ٤٢٥)، النجاة لابن سينا (٢٩٣).
(٦) انظر على سبيل المثال: مجموع الفتاوى (٢/ ٩٥)، وكتاب الرد على المنطقيين (١٤٥)، ويذهب شيخ الإسلام في موضع آخر في درء التعارض (٣/ ٢٧٤) إلى أن ضلال هؤلاء جاء من وجوه: منها ظنهم أن الكمال في مجرد الحلم، والثاني: ظنهم أن ما حصل لهم علم، والثالث: ظنهم أن ذلك العلم هو الذي يكمل النفس، ويقول بعد ذلك: "وكل من هذه المقدمات كاذبة" ثم شرع يفندها وجهًا بعد آخر.

<<  <   >  >>