للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - ويقول رحمه الله في موضع آخر: "وبعض الناس يحكي عنهم أن من تكلم به (يعني: بالإيمان) بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون: إنه مؤمن كامل الإيمان، وأنه من أهل النار، فيلزمهم أن يكون المؤمن الكامل الإيمان معذبًا في النار، بل يكون مخلدًا فيها، وقد تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: "يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان".

وإن قالوا: لا يخلد وهو منافق، لزمهم أن يكون المنافقون يخرجون من النار، والمنافقون قال الله فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) وقد نهى الله نبيه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وقال له: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}.

٣ - فإن قالوا: هؤلاء قد كانوا يتكلمون بألسنتهم سرًا فكفروا بذلك، وإنما يكون مؤمنًا إذا تكلم بلسانه ولم يتكلم بما ينقضه، فإن ذلك ردة عن الإيمان، قيل لهم: لو أضمروا النفاق ولم يتكلموا به كانوا منافقين قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤)}، وأيضًا قد أخبر الله عنهم أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وأنهم كاذبون، فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)} (١).

رابعًا: الرد علي مرجئة الفقهاء:

لا بد أن نشير أولًا إلى أن هذه البدعة -يعني الإرجاء، وهي إخراج الأعمال من مسمى الإيمان- قد قال بها طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، وكانت هذه البدعة عندهم لم تبرح الجانب النظري في حياتهم، أما الجانب العملي فلم يتأثر بها مطلقًا، حيت كانوا يوصون بالأعمال، وهم أنفسهم كانوا من أكثر الناس عبادة وعملاً، ولكن هذا القول كان بعد ذلك ذريعة


(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٥٦).

<<  <   >  >>