للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى ظهور الفسق، وموطئًا لإرجاء الجهمية الغالي، "فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببًا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، فلهذا عظم القول في الإرجاء" (١).

ويوضح شيخ الإسلام مذهب المرجئة الفقهاء الذين يقولون: إن الأعمال ليست من الإيمان، وما يترتب على ذلك، فيقول: "إن الإيمان يزيد، بمعنى أنه كما أنزل الله آية واجب التصديق بها، فانضم هذا التصديق إلى التصديق الذي قبله، لكن بعد إكمال ما أنزل الله، ما بقي الإيمان يتفاضل عندهم، بل إيمان الناس كلهم سواء، إيمان السابقين الأولين كأبي بكر وعمر، وإيمان أفجر الناس، كالحجاج وأبي مسلم الخراساني وغيرهما. . " (٢).

غير أن شيخ الإسلام -وهو من هو في إنصاف المخالفين- يبين أن لهؤلاء أدلة شرعية أخطأوا في فهمها، وغلطوا في الاستدلال بها، واشتبه الأمر عليهم بسببها، ومن هذا الأدلة:

١ - أن الله عزّ وجلّ قد فرّق في كتابه بين الإيمان والعمل، فقال في غير موضع: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وما دام أنه قد عطف الأعمال الصالحة على الإيمان، ففي هذا دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان، لأن العطف يقتضي المغايرة.

٢ - أن الله سبحانه قد خاطب الإنسان بالإيمان قل وجود الأعمال، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.

٣ - قالوا: لو أن رجلًا آمن بالله ورسوله ضحوة، ومات قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال لمات مؤمنًا، وكان من أهل الجنة، فدل على أن الأعمال ليست من الإيمان (٣).


(١) الإيمان (٣٠٨).
(٢) المصدر السابق (١٥٥).
(٣) المصدر السابق (١٥٥).

<<  <   >  >>