للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخيرًا يصف المصنف رحمه الله كلامهم بأنه عبارة عن: "لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. . " (١).

ثانيًا: مناقشة غلاة المتصوفة:

من العقائد الكفرية التي يعتقد بها بعض المتصوفة، اعتقادهم أن المرء إذا وصل إلى درجة من العبادة والرياضة الروحية، تسقط عنه التكاليف، ولِم يعد يخاطب بحلال ولا بحرام، ويستدلون بقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٩].

وقد رد المصنف على هؤلاء بأن اليقين في هذه الآية هو الموت، واستدل على ذلك، واعتبر هذا القول من أقوال ملاحدة الفلاسفة (٢).

وحين عرج المصنف على موقف الفلاسفة من النبوات، عرج أيضًا على مواقف بعض غلاة المتصوفة الذين صدقوا بالنبوة، ولكن كان ذلك لغايات خبيثة في نفوسهم، وهي تواطؤهم على إلغاء عقيدة ختم النبوة، وإن اختلفت أساليبهم في ذلك.

فبينما كان يحاول ويجهد ابن سبعين المغربي -وأمثاله- في الرياضات الشاقة، ويخلو في غار حراء، طالبًا للنبوة، وساعيًا في اكتسابها، حيث إن النبوة عند هؤلاء ليست اصطفاءًا واختيارًا، وإنما هي رياضة ومجاهدة واكتساب، نرى إمام الغلاة محيي الدين ابن عربي يلجأ إلى أسلوب آخر، أشد خطورة، وأخبث مسلكًا.

وذلك باختراعه خاتم الأولياء بزعمه، فابن عربي يقر أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ولكنه يقول: إن الأولياء كالأنبياء لهم خاتم، وكما أن خاتم الأنبياء هو أفضل الأنبياء، فكذلك خاتم الأولياء هو أفضل الأولياء، وليس ذلك فحسب، بل إن خاتم الأولياء أفضل وأعظم من خاتم الأنبياء، لأن النبي يأخذ بواسطة الملك، وأما الولي فيأخذ عن الله من غير واسطة، وقد ادعوا أن جميع الأنبياء والمرسلين يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء (٣).


(١) المصدر السابق (٤٩٩).
(٢) المصدر نفسه (٣٦٥).
(٣) فصوص الحكم (٦٢).

<<  <   >  >>