للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكفر أعيان الجهمية (١)، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم كفره، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى لهم (٢) الائتمام بهم في الصلاة خلفهم، والحج، والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم، ما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوه (٣) من القول الباطل، الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، كان (٤) ينكره، ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين.

[[مذهب أبي حنيفة وابن كلاب في الإيمان]]

وهؤلاء المعروفون من الفقهاء (٥) مثل حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة (٦) وغيرهما من فقهاء الكوفة، كانوا يجعلون قول اللسان، واعتقاد


(١) هذا من أهم أصول عقيدة أهل السنة والجماعة في التكفير، وهو أن تكفير المعينين أو لعنهم لا بد فيه من تحقق شروط، وانتفاء موانع، فقد يطلق الحكم بالتكفير، أو اللعن مجملاً، لمن فعل ما يعد كفراً، أو لعن فاعله، ولكن تكفير المعين أو لعنه يتوقف فيه كما قلنا على أمور أخرى، فالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لعن عموماً شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها، ولكنه نهى عن لعن عبد الله حمار الذي أتي به فجلده، فلعنه بعضهم، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر أنه يحب الله ورسوله، وقد تقدم هذا الحديث. ويقول المؤلف رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٧٢): "فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع".
(٢) كلمة "لهم" ساقطة من (ط).
(٣) في (م) و (ط): "أحدثوا".
(٤) في (ط): "وكان".
(٥) "من الفقهاء" ليست في (ط).
(٦) قد ثبت عن جماعة من السلف رحمهم الله تعالى أن أبا حنيفة كان من مرجئة الفقهاء الذين يقولون: إن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، انظر على سبيل المثال بعض الآثار في كتاب السنة للإمام عبد الله بن أحمد وهي بأرقام: (٢٣٣)، (٢٥٨)، (٣٠٣)، (٣٦٨) وغيرها، وأسانيدها بين الصحيح والحسن كما فال محقق الكتاب.
ولعل أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد رجع عن هذا القول، ومما يستأنس به لهذا =

<<  <   >  >>